للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن القدر كان أيضاً بالمرصاد لمرسية، وإن كان قد طوح بها إلى مصير آخر.

- ٥ -

وذلك أنه لما نجح بهاء الدولة محمد بن هود، وانتزاع حكم مرسية من الأمير أبي جميل زيان، وذلك في سنة ٦٣٨ هـ، كان ابن عصام صاحب أوريولة من أنصاره والمعترفين بطاعته، ولكن لورقة لبثت مع ذلك محتفظة باستقلالها برياسة واليها ابن أحلى.

على أنه لم يمض سوى قليل حتى شعر أهل مرسية أن الأمور لا يمكن أن تسير على هذا النحو، وأن توالى سقوط قواعد الشرق في يد الأرجونيين، سوف يحدد مصير مرسية، عاجلا أو آجلا، ومن جهة أخرى فإن انضواء مرسية تحت لواء أمير إفريقية الحفصى لن يغنى شيئاً، لبعد الشقة، وتعذر العون، ومن ثم فقد قرر أشياخ مرسية بالاتفاق مع بهاء الدولة أن يتفاهموا مع النصارى، رجاء صونها من الغزو والتخريب، واتجهوا في ذلك إلى ملك قشتالة، إما لأنهم آثروا القشتاليين على الأرجونيين، وإما لأنهم كانوا يعلمون أن مدينتهم تقع في منطقة الغزو القشتالي، وبعثوا إلى ملك قشتالة سفارة على رأسها أحمد بن محمد بن هود ولد واليها، يعرضون عليه الاعتراف بطاعته وتأدية الجزية إليه، وأن يسمح له بوضع حامية بالمدينة. وتضع الرواية الإسلامية تاريخ هذا العرض في سنة ٦٣٩ هـ الموافقة لسنة ١٢٤١ م، وهو التاريخ الذي تقدمه لنا الرواية النصرانية (١). وكان ملك قشتالة فرناندو الثالث يومئذ مريضاً في برغش، وكان ولده وولي عهده الإنفانت ألفونسو بمدينة طليطلة، فوفدت عليه هنالك سفارة مرسية، فاستقبلهم باسم والده الملك، وأبلغ النبأ في الحال إلى فرناندو، فوافق على عرض أهل مرسية، وصرفهم الإنفانت بعد التفاهم معهم على تسلم المدينة، ثم سار بعد قليل في نفر من صحبه صوب مرسية، حيث التقى في الكَرَس بنواب مرسية، وعقد معهم معاهدة التسليم، ودخل ألفونسو ولى عهد قشتالة وصحبه، ومعهم أحمد بن محمد بن هود مرسية، وتسلموها صلحاً، وذلك على الاعتراف بالطاعة، وأداء الجزية، وبقاء حكمها بأيدى أهلها، وذلك في اليوم العاشر من شوال سنة ٦٤٠ (٢ أبريل ١٢٤٣ م) (٢). ووضع القشتاليون بعض


(١) الذخيرة السنية ص ٦٤، وكذلك: J. Gonzalez: ibid ; p. ٨٨
(٢) هذه هي رواية ابن الأبار في التكملة (القاهرة) في الترجمة رقم ٢٦٧١، ولكن المقري =

<<  <  ج: ص:  >  >>