شنت ياقب عدد جم. وكان لذلك الحادث أعمق وقع في قشتالة. ومضى على ذلك نحو عامين أو ثلاثة، ثم نهض فرناندو الثالث لتدارك الموقف، وخرج في قواته قاصداً إلى الأندلس من ناحية أرجونة، وهو يخرب تلك الأنحاء، وينتسف زروعها. ثم سار جنوبا نحو جيان والقبذاق، وكان يتوق للانتقام لهزيمة جنده في مرتش، فخرب أيضاً أراضي تلك المنطقة. ثم بعث جانبا من قواته لافتتاح أرجونة، وهي موطن ابن الأحمر ومثوى أسرته، فحاصرها القشتاليون مدى يومين، وفي اليوم الثالث أشرف عليها فرناندو في بقية جيشه، فلما أيقن أهلها المسلمون أنه لا أمل لهم في الصمود والإنجاد، سلموها بالأمان وغادروها حاملين أمتعتهم وذخائرهم، وبعث فرناندو قواته صوب الجنوب لتغزو فحص غرناطة، فعاثت في أنحائه وخربت كثيراً من ربوعه. ووقعت هذه الحوادث في أواخر سنة ١٢٤٤ م (أواسط سنة ٦٤٢ هـ) ثم قصد فرناندو بعد ذلك إلى قرطبة فاستراح بها حتى أوائل العام التالي.
وكان أهم هدف لملك قشتالة في تلك المنطقة، هو الاستيلاء على مدينة جيان عاصمتها التالدة، وأمنع قواعدها، وكان قد حاصرها قبل ذلك في سنة ١٢٣٠ م (٦٢٧ هـ) ولكنه أخفق في الاستيلاء عليها، وكان ابن الأحمر قد اتخذها مقرا لرياسته في مبدأ أمره. وكانت جيان مدينة عظيمة، حسنة التخطيط والبناء، ذات صروح وآثار جميلة، وكانت تتمتع بمناعة فائقة، سواء بأسوارها العالية، أو بقلعتها الحصينة الشامخة، التي مازالت أطلالها القائمة تنبىء بحصانتها القديمة، كما أنها بموقعها الطبيعي في منطقة من البسائط الخضراء اليانعة، كانت من أغنى قواعد الأندلس الوسطى وأكثرها رخاء (١). وكان الاستيلاء عليها يحقق للقشتاليين بسط سلطانهم على سائر أنحاء تلك المنطقة الغنية الخصبة. ومن ثم فقد عول فرناندو على افتتاحها، ولم يك ثمة سبيل آخر لتحقيق هذه الغاية سوى محاصرة هذه المدينة الكبيرة الغنية، حتى يرغمها الجوع على التسليم.
وفي أواخر سنة ٦٤٢ هـ (أوائل سنة ١٢٤٥ م)، أشرف فرناندو الثالث بقواته على مدينة جيان، وضرب حولها الحصار. ولم يكن هذا الحصار أمراً هيناً لوقوعه في قلب الشتاء، وكان اشتداد البرد وهطل الأمطار، يضاعف متاعب الجند المحاصرين، واستمر الحصار على هذا النحو شهراً، وجيان صامدة، وقد