خرج أهلها غير مرة لمقاتلة القشتاليين ففتكوا بهم وقتلوا وجرحوا الكثيرين منهم. بيد أن المدينة المحصورة كانت من جهة أخرى تعانى من الحرمان والجوع. وكان واليها أبو عمر علي بن موسى، حينما شعر بتحركات القشتاليين ومراميهم، قد أرسل قبل الحصار إلى ابن الأحمر يستغيث به، ويطلب إنجاده بالمؤن، لكي تستطيع المدينة مقاومة النصارى، فبعث إليه ابن الأحمر بقافلة كبيرة من المؤن استطاعت أن تجتنب القشتاليين، وأن تصل إلى المدينة، فلما طال الحصار نفدت الأقوات، وأخذ الموقف يتحرج، ومع ذلك فقد لبثت المدينة على صمودها. وكان ابن الأحمر خلال ذلك يرقب الحوادث بمنتهى الجزع، وكانت غزوات القشتاليين قد وصلت غير مرة، إلى فحص غرناطة، وإلى غرناطة ذاتها، وشعر ابن الأحمر أنه لابد أن يلتمس الوسيلة لتأمين سلطانه، واجتناب عادية القشتاليين، ولم يك ثمة وسيلة أنجع من التفاهم مع ملك قشتالة، والحصول على مهادنته. ومن جهة أخرى فقد أدرك ابن الأحمر، أنه لا سبيل إلى إنجاد جيان، أو اجتناب مصيرها المحتوم، وأنه يحسن تدارك الموقف، قبل أن تسقط المدينة في أيدي القشتاليين، أو يقومون باقتحامها وتخريبها. ومن ثم فقد بدأ ابن الأحمر بمفاوضة ملك قشتالة وكان فرناندو الثالث يصر على أن يكون أساس التفاهم مبدأً واحداً لا سبيل إلى تغييره، هو وجوب خضوع ابن الأحمر لسيادته، والاعتراف بطاعته. ولم ير ابن الأحمر محيصاً عن قبول هذا الشرط المؤلم، فسار بنفسه إلى المعسكر القشتالي تحت أسوار مدينة جيان، وقدم طاعته إلى ملك قشتالة. وعقدت بين الملكين معاهدة سلام وتحالف، خلاصتها أن تسلم مدينة جيان وأعمالها في الحال إلى ملك قشتالة، وأن يحكم ابن الأحمر مملكة غرناطة وسائر أراضيها، باعتباره تابعا لملك قشتالة، بكل ما يستتبعه هذا الاعتراف من فروض، ومنها أن يتعاون ابن الأحمر مع قشتالة في الحرب وفي السلم، وأن يشهد اجتماع الكورتيس (مجلس قشتالة النيابى)، وأخيراً أن يؤدي ابن الأحمر إلى ملك قشتالة جزية قدرها مائة وخمسون ألف مرافيدى تؤدى خلال عشرين عاما، وهي المدة التي اتفق أن يعقد خلالها السلم والتهادن بين الفريقين. وتم عقد هذه المعاهدة في أوائل سنة ١٢٤٦ م (أواخر سنة ٦٤٣ هـ)(١).
وعلى أثر ذلك دخل القشتاليون مدينة جيان العظيمة، وحول مسجدها الجامع
(١) J. Gonzalez: Las Conquistas de Fernando III en Andalucia, p. ٩٤ & ٩٥