للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الحال إلى كنيسة، وغادرها معظم أهلها المسلمين، وتفرقوا في قواعد الأندلس الجنوبية. ولما تم احتلال الجند النصارى للمدينة، دخلها ملك قشتالة، في موكب فخم، وشهد القداس الذي أقيم في جامعها ابتهاجاً بالنصر، ووزع دور المدينة على أكابر الفرسان، ومعظمهم من جماعة فرسان شنت ياقب، وجماعة فرسان قلعة رباح.

وكانت جيان من مراكز العلوم والآداب بالأندلس، وإليها ينتسب عدد كبير من العلماء والأدباء، ومنهم الحافظ أبو علي الجيانى، والفقيه أبو ذر مصعب ابن محمد بن مسعود الخشنى. ومما أنشده بعض أهل جيان عند الخروج منها هذان البيتان:

أودعكم أودعكم جيّاني ... وأنثر عبرتى نثر الجمان

وانى لا أريد لكم فراقا ... ولكن هكذا حكم الزمان (١)

ونزل ابن الأحمر للقشتاليين، عدا جيان، عن أرجونة بلده ومثوى أسرته، وعن بركونة وبيغ والحجار، وكذلك نزل إليهم عن أرض الفرنتيرة لعجزه عن الاحتفاظ بها (٢). وهكذا اشترى ابن الأحمر سلامته، وسلامة مملكته وأراضيه بهذا الثمن الفادح، وارتضى بالأخص أن يضحى باستقلاله السياسي وهيبته الملوكية إلى حين، وذلك لكي يأمن شر عدوان خصمه القوي القاهر، ولكى يتفرغ إلى تنظيم مملكته وإلى توطيد سلطانه الداخلي (٣).

- ٢ -

كان من الواضح، في تلك الآونة، بعد أن توالى سقوط قواعد الأندلس الكبرى، الشرقية والوسطى: قرطبة وبلنسية وشاطبة، ودانية، وبياسة، وأبدة وجيان، وكثير غيرها، وذلك كله في فترة قصيرة لا تعدو عشرة أعوام، أن الأندلس الكبرى قد انهارت دعائمها، وتحطمت منعتها، وقواها الدفاعية، وأنه باستثناء القواعد الجنوبية التي اجتمعت في ظل مملكة غرناطة، والتي يسيطر عليها


(١) الروض المعطار ص ٧٢.
(٢) أرجونة بالإسبانية Arjona، وبركونة Porcuna، وبيغ أو بيغو Priego، والحجار هي Higuéra، وكلها تقع في منطقة جيان.
(٣) راجع ابن خلدون ج ٧ ص ١٩٠، والذخيرة السنية ص ٧٢، وابن الخطيب في اللمحة البدرية ص ٣٦، وفي الإحاطة المطبوع ج ٢ ص ٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>