السيد أبا عبد الله بن السيد أبي عمران، وأقره الرشيد في منصبه، وهكذا عادت الحاضرة الأندلسية الكبرى إلى الانضواء تحت لواء الخلافة الموحدية.
على أن هذا العود إلى طاعة الخليفة الموحدي لم يكن سوى مسألة شكلية فقط، وكان حكم المدينة الفعلي باقيا بيد زعيمها القوي ابن الجد. وكانت إشبيلية في الواقع منذ اضطرب أمر الموحدين، وعمت الفتنة أرجاء الأندلس، تتمتع في إدارة شئونها بنوع من الإستقلال المحلي، وذلك بالرغم من انضوائها تحت لواء هذا الأمير أو ذاك. ثم إن هذا العود لم يطل أمده، ذلك أن أحوال الخلافة الموحدية وما كان يضطرم حول عرش مراكش من الخلافات والحروب، كان نذيراً بانحلال الدولة الموحدية وتضعضع قواها، وعجزها عن أن تنجد الأندلس وقت الخطر الداهم. ومن جهة أخرى، فقد كانت الدولة الحفصية التي قامت بإفريقية على أنقاض سلطان الدولة الموحدية، وأخذ نجمها يبزغ في الأفق، تبدو بما تتمتع به من القوي والموارد والفتوة، ملاذاً أفضل وأقدر على تأدية رسالة المغرب القديمة في إنجاد شبه الجزيرة، وكانت مبادرة أميرها أبي زكريا الحفصى إلى إنجاد بلنسية، حينما دهمها النصارى استجابة لصريخ أميرها أبي جميل زيان سنة ٦٣٦ هـ، ماتزال بالرغم من إخفاقها في تحقيق الغاية المنشودة، مثلا يضرب في الشهامة والوفاء، والجهاد في سبيل الله. ومن ثم فقد انتهى أهل إشبيلية بتوجيه زعيمهم أبي عمرو ابن الجد، إلى خلع طاعة الخلافة الموحدية، والاتجاه إلى الدولة الحفصية، وإعلان بيعتها. وكان لهم في ذلك أسوة، بما قام به ابن الأحمر نفسه في بداية أمره، وما قام به أبو جميل زيان أمير بلنسية، من مبايعة الدولة الحفصية والانضواء تحت لوائها.
وعقد أهل إشبيلية بيعتهم للأمير أبي زكريا يحيى الحفصي في سنة ٦٤٣ هـ (١٢٤٥ م)، وبعثوا بها إلى تونس مع وفد من كبرائهم. وفي نفس هذا العام أعلن أبو علي بن خلاص صاحب سبتة بيعته أيضاً إلى الأمير أبي زكريا، وبعث بها مصحوبة بهدية إلى الأمير مع ولده في سفينة خاصة، فغرقت باليم بمن فيها. ولما وصل وفد إشبيلية إلى تونس، وعلم بأمر بيعة سبتة، استقبل الأمير أبو زكريا البيعتين بمنتهى الارتياح، وندب للولاية على سبتة ابن الشهيد الهنتاني، وعلى أشغالها ابن أبي خالد البلنسى، وندب لولاية إشبيلية ابن أخيه أبا فارس عبد العزيز ابن الشيخ أبي حفص لكي يستقر في قصبتها، ويشرف على شئونها إلى جانب