للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن الجد (١) ووجه الأمير إلى أهل إشبيلية بتاريخ العاشر من محرم سنة ٦٤٦ هـ رسالة، يعرب فيها عن اغتباطه ببيعتهم، ويعدهم بأن يمهد لهم سبل إصلاح شئونهم، وتوفير أمنهم وسلامتهم، والبدار إلى إنجادهم عند النوائب والخطوب، وأن يثقوا بنصر الله وإمداده (٢).

وعاد وفد إشبيلية بعد إتمام مهمته، في تقديم البيعة للأمير الحفصي، وصحبهم الوالي وبعض رجاله والقائم بالأعمال، ووصلوا في جملة من السفن إلى إشبيلية، وهنالك قام أولئك النفر من أهل إفريقية بارتكاب ضروب من الفساد والأمور الشنيعة " التي لا يمكن ذكرها ". فأخرجهم أهل إشبيلية من مدينتهم، وقتلوا ابن الجد، إذ كان هو السبب فيما حدث، وأدى إلى مقدم هؤلاء القوم المفسدين. وتزيد الرواية على ذلك، أن مقتل ابن الجد كان سببا في زحف النصارى على إشبيلية وحصارهم لها، إذ كان ملك قشتالة مصادقا لابن الجد " ومصالحا له على المسلمين " فلما قتل فسد هذا الصلح، وقام النصارى بحصارهم (٣).

على أن ذلك لم يكن وحده سبباً في قيام الثورة التي أودت برياسة ابن الجد وحياته، ذلك أنه كان لابن الجد خصوم ومنافسون أقوياء، وكان من أخطاء ابن الجد، أنه طرد أولئك الخصوم من ديوان الحكم، وأخرج بعضهم من قيادة الجيش، فنظمت المؤامرة، وقامت الثورة. وكان أبرز زعمائها القائد شقاف وهو الذي تسميه الرواية الإسلامية " بقائد الفحص شقّاف " (٤) وتسميه الرواية النصرانية Axataf. وفي الحال تولى الزعماء الجدد الرياسة، وأعلنوا بطلان المعاهدة التي عقدها ابن الجد مع النصارى، وجددوا الدعوة إلى طاعة أمير إفريقية الحفصى، وانضواء إشبيلية تحت لوائه (٥).

- ٣ -

وأما حقيقة هذه العلاقات التي كانت قائمة بين ابن الجد وبين فرناندو الثالث ملك قشتالة، والتي كانت كفيلة بقيام التهادن بينه وبين النصارى، وتأمين سلام


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٣٧٥، وابن خلدون ج ٤ ص ١٧١.
(٢) راجع نص هذه الرسالة في البيان المغرب ص ٣٧٩ و ٣٨٠.
(٣) البيان المغرب ص ٣٨١.
(٤) البيان المغرب ص ٤٠٠.
(٥) ابن خلدون ج ٤ ص ١٧١، وكذلك: Is. de las Cagicas: Sevilla Almohade y ultimo Anos de su Vida Musulmana (Madrid ١٩٥١) p. ٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>