للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشبيلية، فمردها إلى معاهدة كانت قد عقدت بين ابن الجد باعتباره صاحب إشبيلية أو أميرها، وبين ملك قشتالة، على نمط المعاهدة التي عقدت بين هذا الملك وبين ابن الأحمر، وخلاصتها أن يعترف بطاعة ملك قشتالة، وأن يؤدي إليه الجزية. وأن يشهد اجتمعات " الكورتيس " باعتباره من أتباعه، وأن يقدم إليه العون متى طلب إليه ذلك. وربما كانت تتضمن فوق ذلك، تعهده بتسليم بعض المواقع والحصون في منطقة إشبيلية. وقد رأينا فيما تقدم أنه لم يكن يكفل سكون ملك قشتالة المؤقت، ومسالمة الزعماء المسلمين سوى هذه العهود وأمثالها. فلما قتل ابن الجد، وانقلب أهل إشبيلية إلى مخاصمة النصارى، غضب ملك قشتالة لما حدث، وأبدى امتعاضه لمقتل صديقه ابن الجد (١). وكان زعماء إشبيلية الجدد، قد أدركوا غير بعيد، ما قد يؤدي إليه مخاصمة النصارى من سيىء العواقب، فحاولوا السعى في تجديد الهدنة مع ملك قشتالة، ولكن فرناندو الثالث لم يرد أن يعقد التفاهم مع زعماء إشبيلية الجدد، وبالعكس فقد كان يرى أن يتخذ مصرع ابن الجد ذريعة للتدخل والانتقام، وأن هذا هو الطريق المفضل عندئذ للتصرف والعمل، وأن الوقت حان لكي ينهض إلى افتتاح إشبيلية، خصوصاً وقد أصبحت الحاضرة الأندلسية العظيمة، معزولة، لا تستطيع أن تعتمد على أية معاونة عاجلة، لا من ملك غرناطة، وقد خضع لملك قشتالة، ولا من الموحدين، وقد نكثت إشبيلية ببيعتهم غير مرة، ولا من أمير إفريقية، بعد الذي حدث نحو عماله. وهكذا استقر الأمر على غزو إشبيلية وانتهى السلم الذي كان معقوداً بينها وبين القشتاليين (٢).

على أن افتتاح إشبيلية كبرى حواضر الأندلس، وهي أزخرها سكاناً، وأمنعها جانبا، وأكثرها حصوناً وقلاعاً، كان يقتضى أهبات خاصة. ومن جهة أخرى، فإن أخذها بالحصار، لم يكن أمراً ميسوراً، إذ كانت تقع في منطقة كثيرة الخصب والنماء، وكان اتصالها بالبحر عن طريق نهر الوادي الكبير، يمكنها من تلقى الأمداد والمؤن من عدوة المغرب. ومن ثم فإنه كان من الواجب إذا استقر الأمر على أخذها بالحصار، أن تخضع أولا سائر حصونها الأمامية من سائر النواحي، وثانيا أن تخرب سائر بسائطها الخضراء التي تمدها بالمحاصيل


(١) ابن خلدون ج ٤ ص ١٧١.
(٢) J. Gonzalez: ibid ; p. ١٠٠ & ١٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>