تسلم المدينة بالأمان، وفقاً لأفضل الشروط الممكنة، وهكذا سقطت القلعة، وبسقوطها أصبحت سائر الحصون الأمامية لإشبيلية من جهة الشرق والشمال، والغرب كلها في أيدي القشتاليين (١).
ونستطيع أن نتصور الدور الذي قام به ابن الأحمر ملك غرناطة في معاونة ملك قشتالة على إخضاع هذه المجموعة الكبيرة من البلاد والحصون الهامة، منذ قرمونة حتى القلعة، وذلك بإقناع أهلها والمدافعين عنها بالتسليم بالأمان، وإقناع ملك قشتالة من جهة أخرى بالتساهل في شروط التسليم، على أن دور الزعيم المسلم لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه كما سنرى إلى معاونة النصارى ومؤازرة جهودهم ضد المسلمين، بطريقة إيجابية فعالة.
- ٤ -
وهنا وبعد أن جردت إشبيلية من سائر حصونها الأمامية وخطوطها الدفاعية الأولى، يأتى دور المرحلة الأخير في افتتاح الحاضرة الأندلسية الكبرى، ولم تكن هذه المرحلة سوى محاصرتها وإرهاقها، حتى ترغم على التسليم.
وبدأ التمهيد للحصار بمقدم الأسطول النصراني بقيادة رامون بونيفاس، وكان يتألف من ثلاث عشرة سفينة كبيرة وعدة أخرى صغيرة، مشحونة بالرجال والمؤن، ودخوله إلى مياه مصب الوادي الكبير، وتخصيص قوة برية لمؤازرته على إحكام حصار المدينة من ناحية البحر، وثانيا على رد أية قوات تأتى لمناجزته، سواء من طنجة أو سبتة أو إشبيلية.
وغادر فرناندو بلدة القلعة في قواته جنوبا إلى إشبيلية، وذلك في الخامس عشر من أغسطس سنة ١٢٤٧، وأخذ يضع خطته لتنظيم الحصار. ولم يكن حصار إشبيلية أمراً سهلا، وكان لابد لتحقيقه من تعاون سائر القوات البرية والبحرية، ومن جهة أخرى فقد كان من الضروري أن يعمل حساب لهجمات المسلمين على مختلف القوات النصرانية، وقد كانت إشبيلية تموج بقوات مدافعة زاخرة حسنة الأهبة، وكانت مشحونة بكميات وافرة من الطعام توقعاً لحدوث هذا الحصار، وكان من حسن الحظ أن استطاع أهل المدينة أن يجمعوا محاصيل فحص الشرف قبل مقدم النصارى. وكانت مهمة القشتاليين في المرابطة على ضفة الوادي الكبير،
(١) وردت سائر هذه التفاصيل في موسوعة Cronica General ; V. II. p. ٧٤٩ & ٧٥٠ وراجع أيضاً: J. Gonzalez: ibid ; p. ١٠٤ - ١٠٦