للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طليطلة قد قام بتحويل الجامع الأعظم إلى كنيسة، وصنع به هيكل مؤقت، فقصد إليه الملك النصراني، وحاشيته من أكابر الأحبار والقادة والفرسان، وأقيم قدّاس الشكر، ثم قصد فرناندو بعد ذلك إلى القصر وتسلمه، وعنى بوضع أسس الحكم للحاضرة المفتوحة، وجعل منها مركز مطرانية، كما كانت قبل الفتح الإسلامي، وقام بتقسيم دور المسلمين وأراضيهم، بين أولئك الذين بذلوا أكبر جهد في تحقيق الفتح. وبذلك اختتم الفتح، وأخذ النصارى في تقويض محلاتهم خارج المدينة ونزلوا بها (١).

ومن ذلك التاريخ تغدو إشبيلية، عاصمة مملكة قشتالة، ومقر البلاط القشتالي، بدلا من طليطلة.

وهكذا سقطت إشبيلية، حاضرة الأندلس العظمى، بعد أن حكمها المسلمون منذ افتتحها موسى بن نصير في سنة ٧١٢ م، خمسة قرون وثلث قرن، وحكمها الموحدون زهاء قرن، وكانت قاعدة حكومتهم بالأندلس، فجاء سقوطها، بعد سقوط قرطبة، وقواعد الشرق، تصفية نهائية لسلطانهم في شبه الجزيرة الإسبانية. وكانت إشبيلية إلى جانب قرطبة من أعظم مراكز العلوم والآداب في الغرب الإسلامي، وبها سطعت عبقريات فريدة في تاريخ الفكر الإنسانى، مثل بني زهر أعظم أساتذة الطب والكمياء في الغرب في العصور الوسطى، وأبي العباس بن الرومية أعظم النباتيين والعشابين، بعد ديسقوريدس. وسطعت إشبيلية أيام الطوائف في ظل بني عباد، ولبثت زهاء نصف قرن أعظم مجمع للآداب وللشعر والنثر في الأندلس. وجعل منها الموحدون قاعدة الحكم في الأندلس، وغدت في ظلهم أعظم حواضر شبه الجزيرة، وأزخرها عمرانا، وأجملها تخطيطاً وصروحاً، تتيه بمسجدها الجامع أعظم جوامع الأندلس، بعد جامع قرطبة، وبمنارته الشاهقة الرائعة، التي مازالت تقوم حتى اليوم أثراً من أعظم الآثار الأندلسية الباقية، وذلك بالرغم من تحويلها إلى برج لأجراس الكنيسة.


(١) يراجع في فتح إشبيلية: البيان المغرب ص ٣٨١ و ٣٨٢، وابن خلدون ج ٤ ص ١٧١ وج ٧ ص ١٩٠، والذخيرة السنية ص ٧١ - ٧٦ وص ٨٠، والروض المعطار ص ٢٢، ومن المراجع القشتالية: Cronica General (Ed. Pidal) No. ١٠٨٠ - ١١٢٥ - J. Gonzalez ibid ; p. ٩٨ - ١٢١ - Is. de las Cagicas: Sevilla Almohade ; p. ٣١ - ٣٣ -- M. Lafuente: ibid ; T. IV. p. ٥٣ - ٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>