من هذه السنة. فسار أولا إلى تينملّل حيث قام بزيارة قبر المهدي، وقبور أجداده، ثم عاد إلى طريق مراكش، واتجه صوب سلا. وكان واليها ابن أبي يعلى، قد استعد في حشوده للانضمام إليه. وأقام المرتضى أياما في سلا، يتعرف أخبار بني مرين، ثم خرج من سلا في حشود وافرة، قاصداً إلى مكان بني مرين. وكان الأمير أبو يحيى، حينما علم بخروج المرتضى إلى قتاله، قد جمع أشياخ بني مرين وحلفاءهم، وبحث الأمر معهم، فرأوا أن يجنحوا إلى المسالمة، فكتب أبو يحيى إلى المرتضى، يطلب إليه السلم والمهادنة، وكان المرتضى يميل إلى عقد السلم، ولكن وزراءه عارضوا في ذلك، وبينوا له خطورة مهادنة بني مرين، وإغفال أمرهم، فجنح المرتضى إلى الحرب، وسار في حشوده الزاخرة، إلى لقاء خصومه، ومعه أحمال كثيرة من المال برسم النفقة، حتى صار على مقربة من محلات بني مرين، ونزل بمكان يسمى أمن ملولنين (أو أميلولين) من أحواز مكناسة. وكان الأمير أبو يحيى وبنو مرين، قد استعدوا للقتال، وبدأ الموحدون المعركة، وهجم الموحدون وعلي بن زيان وجنوده، كل من ناحية، فتظاهر بنو مرين بالانسحاب، وكانوا قد رتبوا كمائنهم، في أماكن قريبة مستورة، ولكن الموحدين فطنوا إلى الخدعة، فلم يتبعوهم، وعندئذ أشاع حليف المرتضى، يعقوب بن جرمون، شيخ سفيان، بناء على خطاب تلقاه من أبي يحيى، في المحلة الموحدية، أن الصلح قد عقد بين الفريقين، فاقتنع المرتضى بورود هذا الخطاب على يعقوب، وإن لم يعقد صلح في الواقع، وأمر بالرحيل، وتحركت الجيوش الموحدية، عائدة صوب مراكش، فعندئذ تبع بنو مرين الجيوش المرتدة، وانتزعوا كثيراً من عتادها وأحمالها، واستولوا بالأخص على أحمال الخليفة وأمواله، واستمر انسحاب القوات الموحدية، في غير نظام، حتى ثغر أزمور، فاستراح بها المرتضى أياما، ثم غادرها إلى الحضرة. وكانت هزيمة دون قتال، وكانت دليلا جديداً على ما أصاب قوي الموحدين المعنوية من التخاذل والانهيار (١).
ولما عاد المرتضى إلى الحضرة عزل وزيره ابن يونس، وكان حاقداً عليه، لمعارضته في بيعته، وما يزال يسرها له (٦٥٠ هـ).
وفي العام التالي - ٦٥١ هـ - ثار والي السوس علي بن يدِّر، وجاهر بالعصيان فبعث المرتضى حمله موحدية إلى السوس لإخضاعه، ولكنها عجزت عن ذلك،
(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٨ وج ٧ ص ١٧٦، والبيان المغرب ص ٤٠٢ - ٤٠٥