للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فارتدت خائبة إلى مراكش، واستمر الأمر على ذلك حتى العام التالي، حيث تفاقم أمر الثورة في السوس، واشتد ساعد علي بن يدر، بمن انضم إليه من طوائف العرب، من عرب الشبانات وبنى حسان وغيرهم، ثم سار إلى حصار تارودانت عاصمة السوس، يبغى الاستيلاء عليها، فسارت من مراكش، حملة موحدية جديدة لقتاله، فترك تارودانت، وامتنع بالداخل، ولم يستطع الموحدون إليه سبيلا، فارتدوا عائدين إلى الحضرة، وعاد ابن يدر إلى مضايقة تارودانت والعيث في أحوازها (٦٥٢ هـ). وحدث بعد ذلك أن وقف المرتضى، على بعض كتب صادرة من ابن يدر، إلى قريبه الوزير ابن يونس، تدل على أنه كان يمده بالمال والسلاح، فقبض على ابن يونس وأولاده، ثم أمر به المرتضى فقتل، وأفرج عن أولاده فيما بعد (٦٥٣ هـ) (١).

وفي خلال ذلك، كان الأمير أبو يحيى وبنو مرين، يعملون على توطيد سلطانهم، وتنظيم حكومتهم بمدينة فاس، وهي التي سوف تغدو منذ الآن فصاعدا، حاضرة ملكهم الفتى، والواقع أن الإمبراطورية الموحدية، كانت قد فقدت بانسلاخ إفريقية عنها، ثم استقلال بني عبد الواد بمملكة تلمسان، سائر أقاليم المغرب الأوسط، ثم جاء بنو مرين فانتزعوا النصف الشمالي، من المغرب الأقصى، واستولوا من قواعده على تازة ووجدة وفاس ومكناسة، وأخضعوا سائر أقاليم تلك المنطقة، من جبال غمارة حتى وادي أبي رقراق، ولم يبق بيد الدولة الموحدية، سوى ما وراء ذلك جنوبا من الأقاليم القليلة الباقية، حتى بلاد السوس، تتوسطها مراكش. ولم يكن خافيا على ذوى النظر البعيد، من أشياخ الموحدين وغيرهم، أن مصير الدولة الموحدية أضحى يهتز في كفة القدر، وأنها وصلت، بما انتهت إليه من الضعف والتفكك، إلى مرحلة الاحتضار.

ولما انتهى أبو يحيى، من تنظيم الشئون بفاس، ارتد في بعض قواته إلى بلاد فازاز، ليتم إخضاعها، فافتتحها، وأخضع بطون زناتة النازلة في تلك المنطقة، وفرض الجباية عليهم جميعاً، وأخمد كل نزعة إلى الخروج والعصيان (٢). ثم سار في قواته غرباً، في المنطقة الممتدة ما بين وادي أبي رقراق، ووادي أم الربيع، وكان من الواضح أنه يقصد الزحف إلى سلا ورباط الفتح، وقد


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٩، والبيان المغرب ص ٤٠٨.
(٢) الذخيرة السنية ص ٨٧، وابن خلدون ج ٧ ص ١٧٥

<<  <  ج: ص:  >  >>