للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثارت هذه الحركة جزع البلاط الموحدي، فأخذ يستعد لمقاومتها بكل ما وسع. وكان المرتضى، وهو الشيخ الورع الهادئ يعكف خلال ذلك، على تدبير ضرباته، والانتقام من خصومه، وكان الدور بعد مصرع ابن يونس، على أشياخ الخلط، وكانت الريبة قد اتجهت عقب مصرع الخليفة السعيد، في شعب جبل تلمسان في سنة ٦٤٦ هـ، إلى عرب الخلط، وقوى الظن بأنهم اشتركوا في مؤامرة قتله، وذلك لأنهم تخاذلوا في القتال أولا، ثم لما قتل السعيد، كانوا أول من بادر إلى نهب محلته، واستلاب ما فيها، وسلبوا فوق ذلك أموال أهله وأقاربه، وذلك قبل أن يصل بنو عبد الواد، إلى محلة الخليفة القتيل، وكان المرتضى يتوق إلى معاقبة زعمائهم، على ما ارتكبوه من الخيانة والغدر، فدبر كمينا لإهلاكهم، واحتال في دعوتهم إلى مراكش، بمختلف المعاذير، فلما وصل معظمهم، أذن لهم بالدخول إلى القصر، وكان قد كمن لإهلاكهم، عدد كبير من عبيد المخزن والجند، فلما تقدموا إلى داخل الدار، وأحيط بهم، قتلوا أشنع قتل، وقيل بل قتلوا بالسم، في الطعام الذي قدم لهم، وكان عدد من قتل من زعماء الخلط سبعون شيخاً، ووقع ذلك الحادث الدموى في سنة ٦٥٢ هـ (١).

وفي نفس هذا العام، ثار يعقوب بن محمد بن قيطون، زعيم بني جابر، وخلع الطاعة، وكان المرتضى قد أكرمه، ومنحه إقطاعات واسعة، فبعث المرتضى إلى تامسنا، عسكراً بقيادة أبي الحسن بن يعلى، ليتفقد أحوالها، وليدبر مع يعقوب بن جرمون شيخ سفيان، طريقة القبض على ابن قيطون. ودعا أبو الحسن ومعه ابن جرمون، ابن قيطون للتفاهم معه، فلما حضر، أبرز ظهيرا بتقديم يعقوب بن جرمون، على سائر عرب المنطقة، فثار لذلك ابن قيطون، وحاول الانسحاب، ولكن قبض عليه وعلى وزيره ابن مسلم، وعاد أبو الحسن بهما مكبولين إلى مراكش (٢).

وكان المرتضى، قد استطاع في تلك الأثناء، أن يتم أهباته لمحاربة بني مرين. وكان بنو مرين، وعلى رأسهم الأمير أبو يحيى من جهة أخرى، قد توطد أمرهم بفاس وأحوازها، وأطاعتهم سائر القبائل المجاورة، وعمد أبو يحيى إلى حشد الحشود، والاستكثار من العدة والسلاح، وكان من الواضح أن وقف تقدم


(١) ابن خلدرن ج ٦ ص ٢٥٩، والبيان المغرب ص ٤٠٩.
(٢) البيان المغرب ص ٤١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>