للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بني مرين، في قلب المغرب، أضحى بالنسبة للموحدين مسألة حياة أو موت. ومن ثم فإن المرتضى، عول على أن يسير بنفسه لقتال بني مرين، فقام بأداء الزيارة المأثورة إلى تينملل، ثم خرج من مراكش في حشود ضخمة، من الموحدين والمصامدة والعرب، وسار أولا إلى سلا، ثم غادرها في حشوده شرقاً صوب فاس، وكان أبو يحيى قد استعد كذلك في قواته للقاء الموحدين، وكان المرتضى يزمع من وراء ذلك الصراع، أن يسترد فاس وأحوازها، إذ كان بقاؤها في أيدي بني مرين، يمثل أعظم خطر على كيان الدولة الموحدية. ولما اقتربت القوات الموحدية من فاس، وقعت بين المرتضى وأبي يحيى، بعض مراسلات ومراجعات في سبيل الصلح، ولكنها لم تفض إلى أية نتيجة. ثم وقع اللقاء بين الفريقين، عند جبل بهلولة أو بني بهلول، على مقربة من فاس، وكانت معركة عنيفة، انتهت بهزيمة الموحدين، وتمزيق صفوفهم، فقتلت منهم جموع عظيمة، واستولى بنو مرين على محلتهم وعتادهم، ومؤنهم ودوابهم، واستولوا بالأخص على أحمال الأموال، وكانت مقادير طائلة، وكان أكبر عامل في تلك الهزيمة الشنيعة، خيانة العرب، وتراجعهم عند بدء المعركة. وفر المرتضى في بعض فلوله، إلى أزمّور، وهو في حالة سيئة، ولبث بها، حتى بعث إليه والي مراكش، أبي سعيد ابن تيجا، بما يلزم من ضروب الإسعاف، وكان وقوع تلك النكبة بالموحدين في سنة ٦٥٣ هـ (١٢٥٥ م) (١).

وكانت هذه ضربة قاصمة، لقوى الموحدين المادية والمعنوية، وجنح المرتضى بعد ذلك إلى الدعة والراحة، وعكف على تشييد القصور لأبنائه، وأنفق في ذلك أموالا طائلة، وقام بإصلاح جامع علي بن يوسف، وكان إصلاحه من قبل يعتبر عملا مكروها، في نظر الموحدين. ويقول لنا ابن عذارى فوق ذلك، إنه عقد الهدنة والسلم، مع الأمير أبي يحيى، وكانت تربطه بالفقيه أبي القاسم العزفى، صاحب سبتة، صلات ودية، بالرغم من خروجه على الموحدين، ودعوته لأمير إفريقية الحفصى، وكذلك بأبي الحجاج يوسف بن الأمين صاحب طنجة، وكان قد انضوى تحت لواء العزفى أولا، ثم استبد بحكم طنجة (٢).


(١) البيان المغرب ص ٤١١، و ٤١٢ ص، وروض القرطاس ص ١٩٧، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٩ وج ٧ ص ١٧٦.
(٢) البيان المغرب ص ٤١٤، و ٤١٥، وابن خلدون ج ٧ ص ١٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>