للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن هذا الهدوء النسبى، الذي بسط ظلاله، على ما بقى من أقطار الدولة الموحدية، لم يستمر طويلا، لأن بني مرين، لم يكن في نيتهم، أن يقفوا عند حدود الرقعة الواسعة، التي انتزعوها من الموحدين، والتي أضحت تكون وحدها مملكة ضخمة، داخل المغرب الأقصى، وإنما كانت تحدوهم رغبة قوية في انتزاع ما بقى من أراضي المغرب، والقضاء على الدولة الموحدية بصورة نهائية، وإقامة مملكتهم الفتية على أنقاضها، مستقلة دون منازع.

ومن ثم فإنه لم يمض سوى قليل، على موقعة جبل بهلولة، حتى نهض بنو مرين لافتتاح قطر جديد، من أقطار الدولة الموحدية، ووجهت الضربة في هذه المرة، إلى سجلماسة ودرعة. وهنا تختلف الرواية في تاريخ هذا الفتح المرينى، ففي رواية أنه وقع في أواخر سنة ٦٥٣ هـ (١)، وفي أخرى أنه كان في سنة ٦٥٥ هـ (٢). وتفصيل ذلك أن والي سجلماسة الموحدي أبا محمد عبد الحق الجنفيسي، كان يرابط مع جنده في قصبة سجلماسة، فدبر رجل من زعماء المدينة يسمى أبو يحيى محمد القطراني، مؤامرة للغدر بهم، وتسليم المدينة إلى بني مرين، واتصل القطرانى بأبي يحيى وأغراه بفتح سجلماسة، فبعث إليه أبو يحيى جملة من جنده، فتحيل القطرانى إدخالهم إلى المدينة، وهاجم القصبة وقبض على واليها الموحدي، وبعث به معتقلا إلى الأمير أبي يحيى، ثم وفد أبو يحيى بنفسه إلى سجلماسة، ودخلها، واستولى على ما كان بالقصبة من المال، وعين إلى جانب القطراني، واليا مرينيا للمدينة، ثم استولى على درعة في جنوب سجلماسة، وعاد إلى فاس. وثار الخليفة المرتضى لما وقع، وأبي أن يفتدى واليه أبا محمد عبد الحق من الأسر، لاتهامه إياه بالتقصير والتفريط (٣).

وفي نفس الوقت تفاقم الأمر في بلاد السوس، واشتد أمر علي بن يدر، المتغلب عليها حسبما تقدم، فرأى المرتضى أن يبذل محاولة جديدة، لإخماد هذه الحركة، فبعث إلى السوس حملة موحدية جديدة، بقيادة أبي محمد بن أصناج، فسار إلى تارودانت ونزل بها، وكان علي بن يدر قد غادرها عندئذ، إلى حصن تيونوين، واعتصم به، فسار ابن أصناج لقتاله، فخرج إليه ابن يدر


(١) هذه رواية صاحب الذخيرة السنية ص ٨٩، وابن خلدون ج ٧ ص ١٧٦.
(٢) هذه رواية ابن عذارى في البيان المغرب ص ٤١٦، وروض القرطاس ص ١٩٧.
(٣) البيان المغرب ص ٤١٧، وابن خلدون ج ٧ ص ١٧٦، وروض القرطاس ص ١٩٧

<<  <  ج: ص:  >  >>