للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يبق عندئذ، تحت سلطان الخلافة الموحدية، من إمبراطوريتها الشاسعة القديمة، بعد العاصمة وأحوازها، سوى المنطقة الواقعة بين وادي أبي رقراق ووادي أم الربيع، وفيها سهل تامسنا وثغرا سلا ورباط الفتح، فإلى هذه المنطقة، وإلى هذين الثغرين، اتجهت أنظار بني مرين. ففي سنة ٦٥٧ هـ، سار كبير بني مرين يعقوب بن عبد الله بن عبد الحق، وهو ابن أخي السلطان أبي يوسف، متجهاً صوب تامسنا، مع قوة من الجنود المرينية، وذلك بحجة ممارسة الصيد والكلأ ونزل بعين عبولة، على مقربة من سلا. ويقول لنا صاحب الذخيرة السنية، إنه قام بهذه الرحلة، بإيعاز عمه السلطان أبي يوسف (١)، ولكن ابن خلدون بالعكس، يقدم إلينا رواية أخرى، خلاصتها أن الأمير أبا يحيى، كان قد افتتح سلا، من أيدي الموحدين، في سنة ٦٤٩ هـ، واستعمل عليها ابن أخيه، يعقوبا المتقدم ذكره، ولكن الموحدين عادوا فاستردوا سلا، فأقام يعقوب مع صحبه، في بعض أحوازها، يترقب الفرص، ولما تولى عمه أبو يوسف الملك، غضب منه لبعض الأمور، وأخذ يدبر الحيلة في الاستيلاء على سلا (٢). وعلى أي حال فقد دبر يعقوب خطة لافتتاح هذا الثغر الموحدي الهام. وكان والي سلا من قبل المرتضى يومئذ هو أبو عبد الله محمد بن أبي يعلى الكومي، وكان حينما اقترب يعقوب برجاله من سلا، قد اتخذ كل أهبة، ورتب الحراس على أبواب المدينة، ليلا ونهاراً، بيد أن الدفاع عن المدينة كان بالرغم من ذلك ضعيفاً، ولم يكن الاستيلاء عليها أمراً صعباً. وكان يعقوب بن عبد الله يعرف هذه الحقيقية، ويقول صاحب الذخيرة السنية، ويتابعه ابن خلدون، إن يعقوبا استطاع أن يدخل إلى قصبة رباط الفتح بالحيلة، وأن يخرج منها ابن أبي يعلى، فسار فارا بنفسه إلى أزمّور، واستولى يعقوب بذلك على سلا دون قتال (٣). ولكن ابن عذارى يقول لنا بالعكس، إن يعقوبا طرق سلا مع رجاله بالليل، وركبوا السلالم على السور، أمام الباب، وقتل الحراس أو أسقطوا من عل، ثم كُسر الباب، ودخل يعقوب وصحبه إلى المدينة، ونهبوا دورها، ووقع الاضطراب، وفر الناس هنا وهنالك، وفر ابن أبي يعلى من القصبة في سفينة، إلى ثغر أزمور، وملك يعقوب سلا


(١) الذخيرة السنية ص ١٠٢.
(٢) ابن خلدون ج ٧ ص ١٧٤ و ١٧٨.
(٣) الذخيرة السنية ص ١٠٢، وابن خلدون ج ٧ ص ١٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>