وما كاد يعقوب بن عبد الله يستقر بسلا، حتى جاهر بخلع طاعة عمه السلطان أبي يوسف، والاستقلال بأمره، وأخذ في الأهبة والاستعداد، واقتناء السلاح والعدد، واستدرج شيوخ سلا إلى القصبة، ونزع سلاحهم، اتقاء لشرهم، وكتب إلى ألفونسو العاشر ملك قشتالة، يرجوه أن يمده بمائتين من المرتزقة النصارى، ليستعين بهم على مقاتلة أعدائه.
وعلى أن هذه المخاطبة لملك قشتالة، قد أسفرت عن مفاجأة مروعة، لم يكن يتوقعها أحد. وذلك أن ألفونسو العاشر، كان منذ بداية حكمه، يفكر في نقل الحرب الصليبية، التي اضطرمت عصوراً، في شبه الجزيرة الإسبانية، إلى إفريقية، وكان يشجعه في مشروعه، البابا إنوسان الرابع، ومن بعده خلفه البابا اسكندر الرابع، وكان ألفونسو قد أنشأ في إشبيلية أحواضاً كبيرة لبناء السفن، لتكون نواة لأسطول الغزو المنشود. فلما وردت عليه مكاتبة الأمير المرينى صاحب سلا، رأى أن ينتهز هذه الفرصة، وأن يرسل حملة بحرية صغيرة لافتتاح سلا، وجهزت سفن هذه الحملة في مياه إشبيلية، ووقف الفقيه العزفى صاحب سبتة، من عيونه، على هذه الأهبة، فبعث النذير إلى سائر ثغور المغرب، على المحيط، ينصحهم بالحذر والاستعداد. وسارت السفن القشتالية مشحونة بالمقاتلة، حتى رست في مياه سلا، فاعتقد أهل المدينة أنهم قدموا للمتاجرة، واعتقد يعقوب بن عبد الله، أنهم الجند الذين طلب إلى ملك قشتالة إرسالهم لإنجاده، ولم يخالج أحد شك، في حقيقة المشروع الغادر، الذي قدمت من أجله هذه السفن النصرانية. وجمع القشتاليون سفنهم تدريجيا، في خليج المدينة، ثم فاجأوها بالهجوم، ودخلوها بعنف، وقتلوا كثيراً من أهلها، وهم دون دفاع، وسبوا النساء والأطفال، في مناظر مروعة، واحتشد جماعة من أهل المدينة لمدافعة النصارى، وقاتلوا بكل ما وصل إلى أيديهم، من صنوف السلاح، فلم يغن ذلك شيئاً، وهلك معظمهم، وهرع الناس إلى مغادرة المدينة، في جموع متراصة، وهلك في الزحام كثير منهم. كل ذلك ويعقوب بن عبد الله ممتنع بالقصبة، لا يستطيع شيئاً، وهو يرى عاقبة تصرفه الشنيع، وجمع النصارى السبايا من النساء والأطفال بالجامع، واغتصبوا النساء والأبكار، وقتلوا الشيوخ، وخربوا المساجد، ولم تقف فظائعهم عند