للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حد. وكان وقوع هذا الاعتداء المروع على ثغر سلا، في اليوم الثاني من شهر شوال سنة ٦٥٨ هـ (١٠ سبتمبر ١٢٦٠ م) (١).

وترامت هذه الأنباء المؤلمة، إلى السلطان أبي يوسف، وهو بفاس، فأهمته وأزعجته، فهرع في بعض قواته إلى سلا، وحاصر النصارى بها، واجتمعت من الأنحاء القريبة، طوائف كبيرة من المتطوعة، وقاتل النصارى من فوق الأسوار، وتبادل الفريقان الرمى بالنبال والأحجار، واستمر القتال على هذا النحو بضعة أيام، حتى اليوم الثالث عشر من شوال، وقتل عدد من النصارى، وأيقنوا أنهم لا يستطيعون الصمود، واضطروا أخيراً إلى مغادرة المدينة، ومعهم جملة كبيرة من أسرى المسلمين، وما نهبوه من المال والمتاع، واستقلوا سفنهم المرتبطة إلى الشاطىء، وأقلعوا بها على عجل، وذلك في اليوم الرابع عشر من شوال. وفي الحال استولى أبو يوسف على سلا ورباط الفتح، وأمر بإصلاح ما تهدم من سورها الغربي، وإصلاح جامعها ومساجدها، وكان يشترك مع كبراء قومه، في رفع الأحجار، ابتغاء الأجر.

وأما يعقوب بن عبد الله، فقد فر من القصبة، ولحق بحصن علودان من جبال غمارة، وامتنع به، فبعث أبو يوسف في أثره ولده الأمير أبا مالك، في قوة من الجند لمنازلته. وسار النصارى بسفنهم حذاء الشاطىء، دون أن يتزودوا، وهم يحاولون الحصول على الماء والطعام، والمسلمون يردونهم أينما حلوا، واستنقذ أهل العرائش منهم ثلاثة وخمسين أسيراً، نظير الماء، وانفصل بعض النصارى عن جماعتهم، وحصلوا على الأمان، والتحقوا بخدمة أبي يوسف، ودلت أنباء الطلائع المسلمة، على أن ملك قشتالة، كان قد جهز حشوداً أخرى، لإنجاد رجاله، ومعاونتهم على الاحتفاظ بسلا، فلما علم بانسحابهم، قرر معاقبة قائدهم خوان غرسية، ولكن خوان استطاع الفرار مع نفر من صحبه، إلى مياه أشبونة، ولم يعد إلى قاعدته في قادس (٢).

وأما أسرى سلا، الذين حملهم النصارى معهم، في سفنهم، فقد بالغت الرواية في تقدير عددهم. وقيل إن ما أنزل منهم في إشبيلية، بلغ نحو ثلاثة آلاف من الجنسين كباراً وصغاراً، فافتدى أهل شريش المدجنون، منهم ثلاثمائة وثمانين،


(١) الذخيرة السنية ص ١٠٣، والبيان المغرب ص ٤٢٤.
(٢) البيان المغرب ص ٤٢٦ - ٤٢٨، وابن خلدون ج ٧ ص ١٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>