للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعث السلطان أبو يوسف، في أواسط شهر ذي الحجة من نفس العام، رسولا خاصا إلى الأندلس، هو أبو بكر بن يعلى، ليعمل على افتداء الأسرى، فافتدى معظمهم، ومنهم قاضي سلا. بيد أنه بقى منهم عدد لم يعرف مصيرهم (١).

وبعث الخليفة المرتضى بهذه المناسبة، إلى الفقيه العزفى صاحب سبتة، رسالة مؤرخة في الثالث من ذي القعدة سنة ٦٥٨ هـ، يزجى إليه الشكر فيها، على ما قام به من تحذير أهل السواحل، ويشيد بخلاله وإخلاصه، ويرجوه أن يستمر، على التعريف بكل ما يقف عليه، من خطط العدو تجاه المغرب، وقد أورد لنا ابن عذارى نص على هذه الرسالة (٢).

وقد كشف عدوان النصارى على سلا، عن وجود خطر جديد، يهدد سلامة المغرب، لم يكن متوقعا، ولم يحسب حسابه. ونستطيع القول بأن هذه المحاولة، من جانب إسبانيا النصرانية، كانت هي البداية الأولى، لتلك السلسلة المتوالية من حملات العدوان المنظم، التي اضطلعت بها إسبانيا النصرانية، والبرتغال فيما بعد، ضد شواطىء المغرب الشمالية والغربية، والتي بدأها البرتغاليون بالاستيلاء على ثغر سبتة في سنة ٨١٨ هـ (١٤١٥ م) ثم طنجة في سنة ٨٦٩ هـ (١٤٦٤ م).

ولبث السلطان أبو يوسف حينا بثغر سلا، ينظم أمورها ويصلح ما خرب منها، وكان النصارى قد أحرقوا وخربوا وأتلفوا معظمها، وقدّم على ولايتها أبا عبد الله بن أحمد الفنزارى، ثم غادرها، واستولى على بلاد تامسنا، وخضعت له سائر القبائل المجاورة (٣).

ولما رأى الخليفة الموحدي - المرتضى بالله -، أنه لم يبق ثمة أمل في المقاومة، والكفاح ضد بني مرين، بعث إلى السلطان أبي يوسف هدية سنية، ومعها رسالة من أشياخ الموحدين، وسائر الفقهاء والصلحاء، يلتمسون إليه الصلح والموادعة، فاستجاب السلطان لرغبتهم في عقد السلم، وجعل وادي أم الربيع، حدا بينه وبين ما تبقى من مملكة الموحدين (٤).

وكان من ذيول ثورة يعقوب بن عبد الله بسلا، أن حذا حذوه أبناء عمه أولاد إدريس، وهم أبناء أخي السلطان، فثاروا بقصر كتامة، تضامنا مع يعقوب، واجتمعوا تحت راية كبيرهم محمد بن إدريس، والتف حولهم جمع


(١) البيان المغرب ص ٤٢٨.
(٢) البيان المغرب ص ٤٢٥.
(٣) الذخيرة السنية ص ١٠٤.
(٤) الذخيرة السنية ص ١٠٤

<<  <  ج: ص:  >  >>