للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاضرته، التي قصت أطرافها، على معالجة الصغائر من الأمور، ومساجلة طوائف العرب ومصانعتها، وكان قد قدّم يعقوب بن جرمون على عرب سفيان حسبما ذكرنا من قبل، فأمر يعقوب لأمرٍ ما بقتل ابن أخيه كانون. فثار عليه إخوة القتيل، وتربصوا به وقتلوه، ورحلوا إلى بلاد بني مرين، ودخلوا في طاعتهم، فلما وقف المرتضى على ذلك، قدم على سفيان عبد الرحمن بن يعقوب، ولكنه لم يكن عاقلاً حريصاً كأبيه، ففي ذات يوم قام بنهب قوافل التجار المارة في وادي تانسيفت، على مقربة من مراكش، ولما خشى عواقب فعلته، جاهر بخلع طاعة الموحدين، وفر إلى أرض بني مرين، والتجأ إلى حمايتهم، فقدم المرتضى عندئذ على سفيان، مسعود بن كانون، وكان حازماً عاقلاً فاستقامت على يده الأمور.

ووفد عندئذ على مراكش عواج بن هلال، من زعماء الخلط، ناكثا لطاعة بني مرين، وكان معه عسكر كبير من قومه، فأكرم المرتضى وفادتهم، وأجزل صلاتهم، ولما علم بذلك عبد الرحمن بن يعقوب، بعث إلى الخليفة في طلب الصفح والأمان، فأجيب إلى طلبه، ووفد هو أيضاً إلى مراكش، في جمع كبير من قومه، فاستقبله الخليفة بالترحاب، ثم دبر الحيلة في التخلص منه، جريا على طريقته المأثورة، في إزهاق من يخرج على طاعته، فاستُدرج ذات يوم مع وزرائه، وقتلوا جميعا، وعلقت رؤوسهم على باب دُكاله، وبقى مسعود بن كانون أميراً على سفيان. وقدم اسماعيل بن يعقوب بن قيطون، أميراً علي بني جابر، وعلي بن أبي على، أميراً على عرب الخلط. أما عواج بن هلال فقد وشى به وأعدم (١).

على أن اشتغال المرتضى، بأمر أولئك الأعراب، لم ينسه المسألة الرئيسية، وهي الكفاح ضد بني مرين. ولم يكن ذلك الصلح الذي عقد بينه وبين أبي يوسف، عقب سقوط سلا ورباط الفتح، سوى هدنة مؤقتة، وسلام زائف، ولم يكن أبو يوسف من جانبه، ينوى التوقف عن مطاردة الموحدين، حتى يظفر بالقضاء على دولتهم بصورة نهائية. ومن ثم فإنه لم يمض سوى قليل، حتى خرج أبو يوسف من حضرته فاس، إلى أرض تامسنا، بقصد الرعى والكلأ، وتوطيد نفوذه بين القبائل الضاربة في تلك الأنحاء، مثل برغواطة وغيرها. وكان المرتضى من جانبه يتأهب لمحاولة جديدة لقتال بني مرين وصد تقدمهم. فحشد جيشاً مختاراً


(١) البيان المغرب ص ٤٣٢ و ٤٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>