ثم إلى المعدن ثم إلى تادلا، ثم سار إلى هسكورة، في جنوب شرقي مراكش، فنزل بها، على زعيمها مسعود بن جلداسن، ولبث هنالك مدى حين (١).
وتوافد على أبي دبوس، خلال إقامته بجبال هسكورة، كثير من الأنصار من كل صوب، وأطاعته قبائل هزرجة، وسائر بطون هسكورة، ووفد عليه كثير من الموحدين، والجند الراغبين في خدمته، فقوى أمره بالجبل، وتوجس المرتضى لما بلغه من ذلك، وقبض على مسعود بن كانون شيخ سفيان، وزجه إلى السجن، وقبض كذلك على شيخ بني جابر، وقائد الروم غرسية، وذلك لشبهة تواطئهم مع أبي العلاء. على أنه لم يفعل شيئاً، للتحوط ضد الهجوم المنتظر، بل لقد بعث بعسكره في تلك الآونة الدقيقة، لقتال حاحة ورجراجة، والظاهر أن ذلك كان بتحريض الوزراء، الضالعين مع أبي دبوس، وذلك لكي تخلو العاصمة، من أسباب الدفاع. وكان من جراء مطاردة المرتضى للزعماء، والقبض عليهم، أن هرع كثير من جند سفيان وبنى جابر، وكذلك فر كثير من الجند الروم، مع قائدهم زنار، وانضموا إلى قوات أبي دبوس.
ولما وقف أبو دبوس، من أنصاره في مراكش على مجرى الحوادث، وعلم أن العاصمة أضحت بلا دفاع، وأنه من جهة أخرى قد استكمل أهباته، وكثرت حشوده وعساكره، عول على تحقيق مشروعه، في انتزاع العاصمة الموحدية، والاتشاح بثوب الخلافة. فسار في قواته صوب أغمات، فخرج إليه واليها أبو زيد ابن يخيت، في جند الموحدين، لصده عن أغمات، فهاجمتهم فرسان أبي دبوس، فهزموا شر هزيمة، وقتل ابن يخيت وجنده، وسار أبو دبوس بعد ذلك إلى مراكش، بعد أن تحقق من أخبار أنصاره وعيونه في العاصمة، أن الفرصة قد أضحت مؤاتية، وتقدمه عرب سفيان الموالين له، حتى وصلوا إلى باب الشريعة، فسرى الاضطراب إلى المدينة، كل ذلك والمرتضى صامت جامد، إلى أن قرر أخيراً مواجهة الموقف، وبعث رجاله فتفقدوا الأسوار فلم يجدوا بها حراسة ولا حراسا، وكان الوقت قد فات لاتخاذ أي إجراء مجدى، وصعد بعض رجال هسكورة إلى السور، وهبطوا إلى الداخل، وفتحوا باب الصالحة، الواقع في جنوبي المدينة، وكان أبو دبوس قد وصل إليها في حشوده، ووقف المرتضى
(١) الذخيرة السنية ص ١٢٣ و ١٢٤، وروض القرطاس ص ١٧٤، ابن خلدون ج ٧ ص ١٧٩، والبيان المغرب ص ٤٤١