للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ما تقدم، وشهد بنفسه اجتماع الجند القادمين بين الأبواب، وسمع قرع الطبول، وأدرك أنه لم يبق أمل في المقاومة، فقرر الفرار، وأخذ في الأهبة له. وقرر أبو دبوس من جانبه دخول المدينة، فدخلها من باب الصالحة أو باب الكحل، وذلك في ضحى يوم السبت الثاني والعشرين من المحرم سنة ٦٦٥ هـ (أكتوبر سنة ١٢٦٦ م)، ولكنه لم يستطع دخول القصبة حتى العصر، حينما أيقن بفرار المرتضى، وخلو القصر من عاهله، ودخل رجال هسكورة إلى المدينة، وانقضوا على القيسارية، ونهبوها وأحرقوها، ونهبوا الدور وعاثوا فيها (١).

أما المرتضى فإنه فر من القصر في عصر ذلك اليوم، وخرج من باب النحل، ومعه اثنان من وزرائه وبعض أولاده، وقصد إلى الجبل، صوب منازل كيك. ولكنه لم يجد بينهم نصيراً يلتجىء إليه، وألفى معظمهم بالعكس، قد انضم إلى جانب خصمه، فسار مع أولاده إلى مدينة أزمور، وكان واليها عبد العزيز ابن عطوش صهره، وكان قد افتداه من أسر بني مرين بمال كثير، ولكنه لم يستطع دخول المدينة، لأن واليها الغادر، كان قد بعث ببيعته إلى أبي دبوس، ولجأ المرتضى وأولاده، إلى غار على شاطىء البحر، حتى يظفر بمثوى أمين. وكان أبو دبوس مذ دخل القصر، قد أرسل في أثره جماعة من الخيل والرجال، فطاردوه حتى أزمور، وظفروا به، وكبله الوالي هو وأولاده، في انتظار إرسالهم إلى أبي دبوس (٢).

وهكذا استولى أبو العلاء إدريس، أبو دبوس، على العاصمة الموحدية، وبويع بالخلافة بجامع المنصور، وبايعه كافة الموحدين، والأشياخ والوزراء والقضاة، وذلك في اليوم التالي لدخوله المدينة، يوم الأحد الثالث والعشرين من المحرم سنة ٦٦٥ هـ، وتلقب بالواثق بالله. وكان هذا الأمير الموحدي، الذي شاء القدر، أن تنتهي على يديه الدولة الموحدية، حسبما تصفه الرواية، داهية شجاعا، وافر الفروسة، حازما مقداما في الأمور، وكانت أمه أم ولد رومية اسمها شمس الضحى. وكان أبيض اللون أشقر الشعر واللحية، أزرق العينين، طويل القامة، كبير اللحية، مهيب الطلعة (٣).


(١) البيان المغرب ص ٤٤٤ - ٤٤٦، والذخيرة السنية ص ١٢٥، وروض القرطاس ص ١٧٥، وابن خلدون ج ٧ ص ١٨٠.
(٢) البيان المغرب ص ٤٤٨ و ٤٤٩.
(٣) روض القرطاس ص ١٧٤ والبيان المغرب ص ٤٥٤

<<  <  ج: ص:  >  >>