وهكذا هلك الخليفة المرتضى بالله، بعد أن تولى الخلافة، زهاء تسعة عشر عاما، وهي فترة طويلة، لم تتح لخليفة موحدى آخر، من بعد عبد المؤمن وولده أبي يعقوب يوسف، وكانت فترة حاسمة في تاريخ الدولة الموحدية. ففي خلالها تم تفكك الإمبراطورية الموحدية الشاسعة، وأخذت أشلاؤها المقتطعة، تسقط تباعا في أيدي خصومها، فانفصلت سبتة وطنجة، وقامت في كل منهما حكومة مستقلة، ثم توالى استيلاء بني مرين، بعد انتزاعهم لرباط تازا، على حضرة فاس، ثم سجلماسة ودرعة، ثم على سلا ورباط الفتح، وقامت ببلاد السوس ثورة وحكومة مستقلة. وهكذا فقدت الإمبراطورية الموحدية، في عصر المرتضى سائر أقطارها وحواضرها الهامة، ولم يبق منها بيد الخلافة الموحدية، سوى حضرة مراكش، ورقعة تمتد بين وادي أم الربيع ووادي تانسيفت، حتى ثغر أزمور، ولقد حاول المرتضى غير مرة، أن يكافح وأن يصد بني مرين، وقد خاض أكثر من موقعة، ولكنه لم يبد في أية مرة، من صدق العزم والجلد، ما كان يبديه أسلافه، في الدفاع عن تراثهم وعن أراضيهم، وكان أكثر اهتماما بالدعة والاستقرار، وحياكة الدسائس، والبطش بخصومه بأساليبه الغادرة، التي جرى عليها طوال حكمه، ولم يكن للمرتضى خلال أو مناقب بارزة، يمكن أن يشيد بها المؤرخ، ولم يكن ما تذكره الرواية عن علمه وورعه وزهده، سوى ستار، يحجب ما يضطرم داخل نفسه، من مشاعر الحقد والضغن، وشهوة البطش والغدر.
ووزر المرتضى رجال غير لامعين، مثل أبي محمد بن يونس، وأبي عبد الله محمد الجنفيسى، وأبي زيد بن عزوز، وأخيه السيد أبي اسحق، وأبي محمد بن أصناج، وأبي يوسف بن تيجا الجدميوى، وأبي موسى بن عزوز الهنتاتى، وغيرهم، وقد صاهر المرتضى هذين الوزيرين الأخيرين، وزوج كل منهما ابنة من بناته. وكتب للمرتضى أبو الحسن الرعينى، وأبو عبد الله التلمسانى، وكلاهما من كتاب العصر البلغاء (١).
وكان الخليفة المرتضى فقيها عالما، وأديباً شاعراً. ويقول لنا ابن عذارى إنه قد وقف على مجلد من شعره ونثره، بيد أن شعره كان ضعيفاً، ثم يورد لنا شيئاً من نظمه. فمن ذلك قوله من قصيدة نظمها في شهر ربيع: