بها القشتاليون في أراضي الأندلس، منذ استيلائهم على حصن شنتفيلة في سنة ١١٨٢ م، حتى غزوة مطران طليطلة وفرسان قلعة رباح لأراضي جيان وقرطبة في سنة ١١٩١ م، وخروج ملك قشتالة في قواته لاختراق جبال الشارات، وغزو أراضي الأندلس مرة أخرى في سنة ١١٩٤ م، على أثر انتهاء أجل الهدنة التي سبق أن عقدها الخليفة يعقوب المنصور، منتهزاً فرصة انشغال المنصور بحوادث إفريقية، وما كان لهذا العدوان من أثر، في تحرك الخليفة الموحدي، وعبوره إلى الأندلس في جيوشه الزاخرة، لقمع هذا العدوان، وما تلا ذلك من نشوب موقعة الأرك العظيمة بين الموحدين وبين قوي قشتالة، وذلك في ١٨ يوليه سنة ١١٩٤ م (٩ شعبان سنة ٥٩١ هـ)، وهي معركة انتهت بنصر الموحدين الباهر، وذلك كله حسبما فصلناه فيما تقدم من كتابنا.
وقد وضعت هزيمة الأرك، حدا مؤقتا، لتفوق قشتالة العسكرى في شبه الجزيرة، ولنشاطها المخرب في أراضي الأندلس، وكانت فرصة انتهزها سانشو ملك نافارا، فأغار على أراضي قشتالة من ناحية سُرية وعاث فيها، وهذا إلى ما قام به الموحدون من جانبهم، من استردادهم لقلعة رباح، ومن غزوات مخربة متوالية، في منطقة طلبيرة وطليطلة والقلعة، ووادي الحجارة وغيرها، وما قام به ألفونسو التاسع ملك ليون من غزو أراضي قشتالة بمعاونة الموحدين، واجتياحها حتى مدينة كريون، وهي غزوة تعاونت قوات قشتالة وأراجون في دفعها (١).
ولم يجد ملك قشتالة، إزاء هذه الخطوب المتوالية، ملاذا إلا في محالفة أراجون وكان ملكها ألفونسو الثاني قد توفي في سنة ١١٩٦ م، وخلفه ولده الملك بيدور الثاني، وتوثقت أواصر هذا الحلف مع أراجون، وغدا ملكها الجديد، أكبر عون لملك قشتالة. وبدت ثمار هذا الحلف في معاونة ملك أراجون لقشتالة في محاربة نافارا وليون وحلفائها الموحدين، وشهر الملكان الحرب على نافارا، ثم على ليون، ونفذت الجيوش المتحدة إلى ليون وعاثت فيها. وترتب على هذه الحرب أن ألغى مشروع زواج ألفونسو التاسع ملك ليون، من الأميرة برنجيلا إبنة ملك قشتالة، وكان ألفونسو الثامن قد جعل مهرها رد الأراضي والحصون التي اقتطعها من ليون.