للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحكم بمقتضاها، أقطار الدولة الموحدية وشعوبها. وبدأ عبد المؤمن في ذلك، باختيار أكبر أولاده أبي عبد الله محمد لولاية عهده (سنة ٥٤٩ هـ)، وقد أوضحنا فيما تقدم كيف اختير عبد المؤمن للخلافة، عقب وفاة المهدي، وما أحاط بذلك الاختيار من ظروف خاصة. ولم يكن ثمة ما يؤذن عندئذ أو يسمح للخليفة، بأن يجعل من الخلافة أمراً وراثياً في عقبه، ومن ثم فقد أبدى عبد المؤمن، في رسائله الرسمية عن ولاية العهد، أنه لم يكن له في ذلك رغبة خاصة، وإنما حمل على تصرفه برغبة القبائل والعشائر البربرية والعربية المختلفة، وهي التي دفعته، إلى القيام باختيار ولده لولاية العهد. وقام عبد المؤمن في نفس الوقت باتخاذ الخطوة الثانية، لتنظيم الحكم، وتوكيد سيادة بني عبد المؤمن. فعين بقية أولاده، لحكم ولايات المغرب والأندلس، وذلك حسبما فصلنا في موضعه. وكان أولاد الخليفة ينعتون هم وأعقابهم بالسادة، وهو لقب اختصوا به طوال أيام دولتهم. وقد جرت الخلافة الموحدية، على نسق الدولة المرابطية، في تعيين الأبناء والقرابة والأصهار، لحكم الولايات والمدن، وأحيانا للقيادة والوزارة، هذا مع تعيين بعض الأشياخ والحفاظ المقربين أحيانا، في هذه المناصب الكبرى. وقد حرصت الخلافة الموحدية، على هذه القاعدة، حتى أواخر أيامها، سواء في المغرب أو الأندلس. وكانت ولايات المغرب أو عمالاته، في ظل الخلافة الموحدية، تشمل بلاد السوس، وسجلماسة، ومراكش، وفاس، وتلمسان، وبجاية، وإفريقية، ثم سلا فيما بعد، وكانت سبتة، أحيانا ولاية مستقلة، وأحيانا تلحق بمالقة والجزيرة الخضراء. وأما ولايات الأندلس، فكانت تشمل ولاية الغرب (شلب وأحوازها)، وإشبيلية، وقرطبة، وجيان، وغرناطة، ومالقة، ومرسية، وبلنسية.

وكانت قاعدة الحكومة الموحدية بالأندلس أولا إشبيلية، وذلك لأنها كانت أول قاعدة أندلسية كبرى، نادت بطاعة الموحدين، وبعثت بيعتها إلى عبد المؤمن على يد وفد من أعيانها، وثانيا لأنها كانت أول قاعدة كبرى استولى الموحدون عليها، ولكن عبد المؤمن، قبيل وفاته بقليل، أمر ولده السيد أبا يعقوب يوسف، وكان عندئذ واليا لإشبيلية، أن ينتقل منها إلى قرطبة، وأن يجعل بها قاعدة الحكم الموحدي، ومستقر الجيوش الموحدية، لأنها " مُوسَّطة الأندلس ". بيد أن هذا التغيير لم يطل أمده، ولم يمض سوى وقت قصير، حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>