أعيد مركز الحكم الموحدي إلى إشبيلية، واستقر بها بعد ذلك، طوال عهد الدولة الموحدية، وذلك بالأخص لبعدها عن حدود قشتالة، وعن خطر الغزو النصراني، ولأنها باتصالها بالبحر، بواسطة مصب نهرها الوادي الكبير، ووفرة مواردها الزاخرة من وادي الشَّرف، كانت تعتبر خير قاعدة، لنزول الجيوش الموحدية، القادمة من وراء البحر، وغدت إشبيلية في ظل الحكم الموحدي، أعظم حواضر الأندلس، وازدانت بكثير من الصروح، والمنشآت العمرانية العظيمة، التي أتينا على ذكرها في موضعها.
١ - نظم الحكم الموحدي
وأما عن نظم الحكم الموحدي، فقد كان الخليفة عبد المؤمن أيضاً، هو أول من وضع أسسها الرئيسية، وكان ذلك نتيجة طبيعية، لتحول الخلافة الموحدية على يده، إلى ملك دنيوى، ووضعه لنظام ولاية العهد. ونجد هذه الأسس الأولى، لنظام الحكم الموحدي، مدونة في الرسالة التي وجهها عبد المؤمن، بتاريخ ربيع الأول سنة ٥٤٣ هـ، إلى الطلبة والأعيان والمشيخة والكافة بالأندلس والتي أوردها لنا ابن القطان، ولخصنا ما تضمنته فيما تقدم (١). وتنحصر هذه الأسس في خمس نقط هي: وجوب التزام الدقة في تطبيق الأحكام الشرعية، ووجوب الكف عن اقتضاء أية مغارم أو مكوس، لا تبيحها الشريعة ولا تتفق مع قواعد العدل، وأنه لا يجوز الحكم في مواد الحدود بالإعدام، أو تنفيده قبل الرجوع إلى الخليفة، ليصدر هو قراره في هذا الشأن، وأنه يجب تحريم الخمر، ومطاردتها في سائر أنحاء الدولة، وأنه يجب حماية أموال " المخزن "(أموال الدولة)، وصونها وعدم التصرف في شىء منها، دون استئذان الخليفة. وقد حذا الخليفة يوسف بن عبد المؤمن، حذو أبيه، بتأكيد هذه الأسس الدستورية، للحكم الموحدي، وذلك في رسالة شبيهة برسالة أبيه، وجهها في رمضان سنة ٥٦١ هـ، إلى أخيه السيد أبي سعيد والي قرطبة، وأصحابه الطلبة، وفيها يحث على وجوب تطبيق أحكام الشرع، أوامرها ونواهيها بدقة، واتباع الحق والعدل، في الفصل في قضايا العباد، وأنه فيما يتعلق بالدماء، فإنه يحظر على سائر عمال الموحدين أن يحكموا في الدماء من تلقاء أنفسهم، وأنه لابد من أن ترفع قضايا القتل إلى الخليفة، مشفوعة بتفاصيلها وأدلتها وشروحها، ويسرى ذلك حتى على القضايا