التي وقع فيها اعتراف بالقتل، أو دليل أو شهادة مقبولة، أو غير ذلك، فإنه يجب في سائر الأحوال، أن يرفع الأمر إلى الخليفة، وأن ما ورد في كتاب الله من الحظر المؤكد والوعيد الشديد، نحو إراقة الدماء، واستباحة الأموال، واستحلال الحرمات إلا بوجه صحيح، يوجب عليهم اتباع ما رسم، ووجوب التوقين والبيان والتعريف، هذا مع وجوب تقوى الله، وطاعة أوامره، والجرى على سننه. وتكرار هذا النصح، بالعف عن إراقة الدماء، والتحوط في تنفيذ أحكام الإعدام، هو صدى طبيعى، لما اتسمت به الدولة الموحدية، منذ قيام المهدي ابن تومرت، من المبالغة في استباحة دماء خصومها وإراقتها. وقد ذكرنا من ذلك، طائفة من الحوادث المروعة المثيرة، أيام المهدي، وخليفته الأول عبد المؤمن. فلما انتهت الدولة الموحدية، من القضاء على خصومها، ولما توطدت دعائمها، وضخم سلطانها، لم يبق ثمة موجب لهذا الإغراق في سفك الدم، وكان من حسن السياسة، أن تؤكد الخلافة الموحدية حرصها على احترام دماء الناس، وتمسكها بتنفيذ أحكام الشريعة، وحثها عمالها على مراعاة ذلك، وبالأخص على عدم التورط في إراقة الدم، إلا بموافقة الخليفة نفسه.
وكانت الخلافة الموحدية، تؤثر أن تبدو في نفس الوقت، حريصة على توطيد العدل، وقمع الظلم، وقد رأيناها منذ البداية، تتبع العمال الظلمة وتطاردهم وتقضى في أحيان كثيرة، بعزلهم ومحاسبتهم، وأحيانا باعتقالهم وإعدامهم. وقد كانت للخليفة عبد المؤمن، ولولده وخليفته أبي يعقوب يوسف، وحفيده يعقوب المنصور، في ذلك جهود ضخمة، ذكرناها في مواضعها، بل لقد حذا الخليفة الناصر نفسه، في ذلك حذو أبيه وجده، في مطاردة العمال الظلمة وإزالتهم، وكان تكرار هذه المطاردة للعمال الظلمة، وعمال المخزن وغيرهم، وتوقيع العقوبات الرادعة عليهم، مما يصل أحيانا إلى الإعدام والمصادرة، في ذاته دليلا، على ما كان يغشى الإدارة الموحدية، في بعض الأحيان، من ضروب الفساد، التي ترمى هذه المطاردة إلى قمعها.
وكانت الوزارة الموحدية، وهي أداة الحكم المباشر، أوسع نطاقا منها، في عهد الدولة المرابطية. وقد رأينا أن المهدي ابن تومرت، لم يكن له وزير خاص، وإنما كان يتخذ من الجماعة، وهم الصحاب العشرة الأوائل، أعضاء