للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استولت على إفريقية والأندلس. ومنذ عصر عبد المؤمن أول الخلفاء الموحدين، نرى الخلافة الموحدية، فضلا عما آل إليها من بقايا الأسطول المرابطي، تعنى بإنشاء القطائع البحرية سواء في مياه المغرب، أو إفريقية أو الأندلس. وقد أنشأ عبد المؤمن في أواخر عهده عدداً ضخماً من هذه القطائع بلغ نحو ثلاثمائة أو أربعمائة، كانت عماد الأسطول الموحدي الكبير، وكان الأسطول، فضلا عن قيامه بنقل الجيوش الموحدية الزاخرة، وعتادها الهائل، عبر المضيق إلى الأندلس في الذهاب والأوبة، يقوم بحراسة الشواطىء الأندلسية، من مياه البرتغال جنوبا، حتى مياه بلنسية والجزائر الشرقية، وشواطىء المغرب الشمالية حتى مياه تونس والمهدية. وكانت للأسطول الموحدي وحدات كبيرة، ترابط في المعمورة وسبتة، وتونس، ومالقة وقادس، وأحيانا في مياه البرتغال الجنوبية. وقد لعب الأسطول الموحدي أدواراً هامة في معارك الخلافة الموحدية مع البرتغال، وكذلك في افتتاح المهدية، وحوادث الصراع مع بني غانية، وفي افتتاح الجزائر الشرقية، وغيرها من مواطن الصراع بينها وبين خصومها.

وكانت شئون الجيش، توكل إلى ديوانين أو وزارتين هامتين: الأول هو ديوان العسكر، وعلى رأسه وزير، يكون في الغالب من الجند، يشرف على كل ما يتعلق بشئون الجيش (١). والثاني هو ديوان التمييز. وقد رأينا كيف بدأ التمييز في بداية الدولة الموحدية، إجراء تعسفياً لاستبعاد الخصوم أو المارقين أو إعدامهم، وتطهير صفوف الجيش منهم، ثم تطور هذا الإجراء بمضى الزمن، وأصبح ينصرف إلى اختيار الصفوة من الجند، وكان يجرى التمييز قبيل كل غزوة أو حرب هامة، يضطلع بها الخليفة الموحدي، ويعمل بالتمييز زمام، ويقرن بالإنعام والبركات على الجند الذين فازوا بالتمييز. وكان يتولى ديوان التمييز، وزير يسمى كاتب ديوان التمييز (٢)، وكان للجيش في نفس الوقت، في ديوان الكتابة، كاتب أو أكثر يختصون بالكتابة في شئونه.

وكان حج الخليفة الموحدي إلى قبر المهدي وقبور آبائه بتينملّل، من الرسوم المأثورة، وكان الخليفة يقوم بهذه الزيارة حينما يعتزم الغزو، أو الاضطلاع بعظائم الأمور، وكانت تعتبر دائما حركة مباركة، وعنوان التشجيع والتيمن.

بيد أنه بالرغم مما بلغه الجيش الموحدي، في ظل الخلفاء الأقوياء منذ عبد المؤمن


(١) البيان المغرب ص ١٤١.
(٢) ابن صاحب الصلاة في المن بالإمامة لوحة ١٥٠ ب

<<  <  ج: ص:  >  >>