حتى نهاية عهد المنصور، من الضخامة والقوة، فإنه كانت توجد به ثمة ثغرات، تعرضه من آن لآخر إلى وقوع الكوارث المؤلمة. ومن ذلك فوضى القيادة، فإنه لم تكن للجيش من بعد عبد المؤمن قيادة قوية حازمة، وكان اختيار القادة يتوقف على الظروف، ويتم غالبا قبيل وقوع الغزو أو المعركة المرتقبة، هذا مع اعتبار الخليفة دائماً هو القائد الأول لجيشه، وكان استئثار الخليفة بالقيادة، وعدم استماعه للخبراء من قادته، ينتهي بالفشل كما حدث في غزوة وبذه، أو بالكارثة كما حدث في موقعة شنترين. ولم يوفق المنصور إلى نصره الباهر في معركة الأرك، إلا بفضل حزمه ونصح قادته، ولاسيما القادة الأندلسيين، وكان اختيار القادة يتأثر غالبا بصلات القربى والمصاهرة، مما يترتب عليه استبعاد القادة الأكفاء. وكان حظ القيادة الأندلسية، على كفايتها وخبرتها بحروب شبه الجزيرة ضئيلا، وقد أدت هذه الفوضى في تنظيم القيادة الموحدية واختيارها، إلى هزيمة الجيش الموحدي غير مرة، في ظروف كان يلوح فيها أن النصر قريب منه.
وكان اختلال التموين في الجيوش الموحدية، يحدث كذلك أثره السىء في كفاية هذه الجيوش ومقدرتها. وقد كان امتداد خطوط التموين من أعماق المغرب عبر البحر إلى الأندلس، مسافات طويلة، أهم سبب في هذا الاختلال. وبالرغم من إقامة قواعد التموين الهائلة فيما بين سلا وسبتة، ولاسيما في وادي سبو، فإن الجيوش الموحدية، كانت حينما تعبر إلى شبه الجزيرة، وتتوغل في أراضي العدو، تشعر بنقص في تموينها، وكان هذا النقص، يؤدي في بعض الأحيان إلى اختلال نظام الجيش كله، وإلى انشغال معظم الجند بالبحث عن القوت. وقد تحدثنا فيما تقدم، غير مرة، عن هذه الظاهرة المؤسفة في نظام الجيش الموحدي.
وكان من أهم ما تمتاز به الجيوش الموحدية، تفوقها في فن الحصار، ومقدرتها على اقتحام المدن المنيعة، بالآلات الفتاكة. وقد كانت تتفوق في ذلك تفوقاً واضحاً، على الجيوش المرابطية، وكانت أمنع الأسوار والتحصينات تتحطم تحت ضربات هذه الآلات المدمرة. وقد دلل الموحدون على هذا التفوق في حوادث كثيرة، سواء في إفريقية أو في اسبانيا أو البرتغال، حينما كانت تنهار تحصينات المدن والقلاع المنيعة، أمام قصف مجانقهم وآلاتهم المدمرة، ولنا من ذلك أمثلة بارزة في حوادث حصار وهران والمهدية بإفريقية. وطرُّش وحصن