الآفاق للأخذ عنه، والتضلع عليه، وذاع صيته في سائر أنحاء الأندلس والمغرب، وكان إمام العربية بالمشرق والمغرب دون مدافع، وكان ذا معرفة بنقد الشعر وغيره، بارعا في التعليم والإلقاء، أخذ عنه كثير من الجلة مثل القاضي أبي عبد الله ابن عياض، وأبي العباس الأزدي، وأبي بكر بن رشيق، وأبي عمر بن حوط الله وغيرهم. وكان منقطعاً بإشبيلية إلى ابن زهر. عبر البحر إلى مراكش أيام المنصور، وعاد إلى بلده، وكرس حياته للعربية، وقد لبث يقرئها زهاء ستين عاما، وله شرح للكراسة المنسوبة للجزولى، وألف كتاب التوطئة، إتماما للكراسة المذكورة. ولد بإشبيلية سنة ٥٦٢ هـ، وتوفي بها في أواخر صفر سنة ٦٤٥ هـ، أثناء حصار القشتاليين إياها (١).
- ٢ -
ازدهر الشعر خلال العصر الموحدي بالأندلس والمغرب معا، وكان الخلفاء الموحدون يتذوقون الشعر الجيد، ويقدرون أثر الإشادة والمديح، في تأييد هيبة الدولة والخلافة، ومن ثم فقد أسبغوا رعايتهم على الشعراء، وأغدقوا عليهم الصلات. وكان للخلافة الموحدية شعراؤها الأثيرون لديها مثل الجراوى، وابن حزمون، وابن مجبر، وغيرهم، ينظمون قصائدهم في مختلف المواطن، والمناسبات السعيدة، من ولاية وفتوح ومقدم وإبلال وغيرها، يشيدون فيها بقوة الخلافة الموحدية ومجدها وسعدها.
وبلغ الشعر في الأندلس في تلك الفترة مستوى عاليا من الازدهار والقوة في ظل الخلافة الموحدية، التي قدرت قدره، وأظلته برعايتها، وتبارى الشعراء الأندلسيون، منذ عهد عبد المؤمن في مديح الخلافة الموحدية، والإشادة بذكرها. على أن نهضة الشعر الأندلسي، في أوائل العصر الموحدي لم تكن سوى امتداد طبيعى لنهضتها القديمة منذ الطوائف، وذلك إذا استثنينا عهد المرابطين القصير الذي لم يحظ فيه الشعر بشىء من التقدير والرعاية، من الدولة المرابطية. ولم تخب النهضة الشعرية القوية، حتى في عصر الانهيار، في أواخر العهد الموحدي، بل بالعكس فقد زادتها المحنة قوة واضطراما. وصدرت في الصريخ من المحنة وفي الأندلس ورثاء قواعدها الذاهبة، وشعبها المغلوب، من غرر القصائد المبكية، ما يشهد بأن الشعر
(١) ترجمته في صلة الصلة لابن الزبير المنشور بعناية الأستاذ ليفي بروفنسال (الرباط سنة ١٩٣٧) رقم ١٢٨، وفي الذيل والتكملة لابن عبد الملك (الجزء الرابع من مخطوط المتحف البريطاني)