للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جموع الثوار إلى القصر من كل ناحية، وتأهب الحكم في حرسه وغلمانه لردها، وبعث ابن عمه عبيد الله البلنسي صاحب الصوائف، والحاجب عبد الكريم، في قوة من الفرسان والمشاة، فاستقبلت الجموع الزاحفة، وردتها إلى الوراء بعد أن نفذت إلى فناء القصر، ثم شقت طريقها إلى النهر واقتحمته إلى الضاحية الثائرة، وأضرمت النار في عدة من أنحائها، ونجحت هذه الوسيلة في تفرقة ْشمل الثوار، إذ ما كادت ألسنة اللهب تبدو، حتى هرع الكثير منهم إلى دورهم يحاولون إطفاء النار وإنقاذ الأهل والولد. وهنا احتاط الجند بالثوار من كل ناحية وأمعنوا فيهم قتلا حتى أفنوا منهم خلقاً كثيراً، وطاردوهم في كل مكان، ونهبت دورهم، وأسر منهم عدد كبير، وفر من استطاع، ومنهم بعض الفقهاء والمحرضين مثل طالوت وغيره، والتجأ البعض إلى طليطلة، واستمر القتل والنهب ثلاثة أيام حتى مزقوا كل ممزق، وصلب الحكم تجاه قصره على شاطىء النهر ثلاثمائة رجل من الثوار، صفوفاً منكسة، إرهاباً لأهل قرطبة. ثم كف الجند عنهم، ونودي بالأمان وهدأت الفتنة، وأمر الحكم بديار الثوار فهدمت عن آخرها، ولا سيما "الرَّبَض"، القبلي الذي كان مهد الفتنة، وقام على الهدم ربيع القومس عامل أهل الذمة وقائد الغلمان الخاصة، فمسح أحياء الثوار مسحاً، وغدت ْألوف كثيرة منهم دون مأوى، وأمر الحكم بخروجهم من قرطبة في الحال، وأن


= في يوم الأربعاء ١٣ رمضان سنة ٢٠٢ (الحلة السيراء ص ٣٩)؛ ويوافقه ابن عذارى في تاريخها في نفس العام (ج ٢ ص ٨٧)؛ وتؤيد هذا التاريخ عدة روايات وردت في مخطوط ابن حيان الذي بين أيدينا، ومنها رواية الرازي (ص ١٠٣ و١٠٤). ولكن ابن الأثير يضع تاريخ واقعة الربض في سنة ١٩٨هـ، وإن كان يشير أيضاً إلى ما قيل من وقوعها في سنة ٢٠٢هـ (ج ٦ ص ١٠١ و١٠٢)؛ ويأخذ المشارقة بهذه الرواية؛ فنرى المقريزي مثلا يضع مقدم الأندلسيين الذين نزحوا على أثر الواقعة إلى الإسكندرية في سنة ١٩٩هـ، ويشير إلى اشتراكهم في الحرب الأهلية التي كانت تضطرم يومئذ بها في سنتي ٢٠٠ و٢٠١هـ (راجع خطط المقريزي - مصر - ج ١ ص ٢٧٨ - ٢٨٠) وذلك مما قد يعزز رواية ابن الأثير في حدوث الواقعة سنة ١٩٨هـ؛ ويميل دوزي أيضاً إلى الأخذ بهذه الرواية (ج ١ ص ٢٩٦ - ٢٩٧)، ويستشهد بما يرويه المقريزي من الوقائع المادية. على أننا نميل من جانبنا إلى الأخذ بالرواية الأندلسية لقدمها واتفاقها، وكونها أقرب إلى ميدان الحوادث وأقرب إلى التحقيق. وأما رواية المقريزي، فقد يحمل ما ورد فيها إلى اضطراب في ذكر الحوادث، خصوصاً وأن الحرب الأهلية المصرية التي يشير إلى اشتراك الأندلسيين فيها قد استمرت من سنة ١٩٩ إلى سنة ٢٠٥هـ، مما يمكن معه أن نوفق بين أقواله وبين حدوث واقعة الربض في سنة ٢٠٢هـ (وراجع النجوم الزاهرة ج ٢ ص ١٦٩ و١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>