للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القضاعى. وقد انتهى إلينا عدد كبير من هذه الرسائل التي دبجها ابن عميرة في تلك الفترة، وكلها تدلى بروعة بيانه، ومقدرته الفائقة في الترسل (١). وكان مما نقله إلينا صاحب " صبح الأعشى " من رسائله، رسالة كتبها عن " صاحب أرغون " إلى الخليفة الموحدي يوسف المستنصر، يخبره فيها بأن صاحب أرغون، قد وقع بينه وبين بلده خلاف، انتهى بنكبته، وإخراجه من بلاده، ففكر في " أن يلجأ إلى المقام الباهر الأنوار، العزيز الجوار، فقدم إلى بلنسية، التي صدرت منها هذه الرسالة، وبأنه إن وجد من الأمر العالي تأييداً، واستطاع أن ينتصر على خصومه، كانت لذلك نتائج هامة، خصوصاً وأن له في " أرغون " كثير من الزعماء والأقارب والفرسان المناصرين له " (٢). وقد ظن بعض الباحثين أن ابن عميرة التحق بخدمة ملك أراجون، وكتب عنه هذه الرسالة وهو في خدمته. والحقيقة كما يبدو من نص الرسالة الواضح، أن ابن عميرة، كان وقت كتابة الرسالة مقيما ببلده بلنسية، وربما كان عندئذ يتولى الكتابة لواليها السيد أبي زيد، أما " صاحب أرغون "، الذي كتبت عنه هذه الرسالة، فالمرجح أنه الدون فرناندو الأرجونى عم ملك أراجون الصبي " خايمى "، وكان يحاول مع جماعة من أعيان أراجون أن يناوئه، وأن ينتزع العرش لنفسه (٣)، ومن ثم كان قدومه إلى بلنسية، وتوجيه رسالة منها إلى الخليفة الموحدي، وكان ذلك، فيما يبدو حوالى سنة ٦١٨ هـ (١٢٢٠ م)، في أواخر عهد المستنصر. ولما تفاقمت الحوادث في شرقي الأندلس، وشعر ابن عميرة أنه لم يبق له ثمة أمل في البقاء في الوطن المنكوب، عبر البحر إلى المغرب، والتحق بخدمة الخليفة الموحدي الرشيد، وكتب عنه في أواخر عهده. ثم ولى بعد ذلك قضاء سلا ومكناسة. ولما قتل الخليفة المعتضد (السعيد) لحق بسبتة، وهنالك انقض عليه جمع من بني مرين وسلبوه كل أمواله، فارتد في أسوأ حال إلى إفريقية، وسكن بجاية حينا، ثم رحل إلى تونس، وحظى لدى أميرها المستنصر بالله، فولاه قضاء قسنطينة ثم قضاء


(١) نشرت عدة من رسائل ابن عميرة في صبح الأعشى ج ٦ ص ٥٣٤ وج ٧ ص ٩٨ و ٩٤ و ١١٦. ونشرت منها عدة بكتاب زواهر الفكر، لابن المرابط - مخطوط الإسكوريال رقم ٥١٨ الغزيرى، ورقم ٥٢٠ ديرنبور. ونشر المقري بعضها في نفح الطيب ج ٢ ص ٥٩٦ - ٦٠١، وفي الروض المعطار - صفة جزيرة الأندلس ص ٤٨ - ٥٢، وكذلك الإحاطة ص ١٨٢.
(٢) تراجع هذه الرسالة في صبح الأعشى ج ٦ ص ٥٣٤ - ٥٣٥.
(٣) M. Lafuente: Historia General de Espana ; T. IV, p. ٦٩ & ٧٠

<<  <  ج: ص:  >  >>