قابس، ثم كتب حينا عن المستنصر. وقد كان ابن عميرة إلى جانب براعته في الكتابة، شاعراً مجيداً له النظم الرائق. وله تأليف في " كائنة ميورقة " وسقوطها في أيدي النصارى، نحى فيه بأسلوبه المسجع منحى العماد الأصفهانى في الفتح القدسى. وكتاب في التعقيب على فخر الدين الرازى في كتاب المعالم في أصول الفقه، ومختصر في " ثورة المريدين " وغيرها. وجمع ابن هانىء السبتى رسائل ابن عميرة وشعره في كتاب في سفرين، وسماه " بغية المستطرف وغنية المتطرف، من كلام إمام الكتابة ابن عميرة أبي المطرِّف ". والخلاصة أن القاضي ابن عميرة، مثل زميله ابن الأبار، يمثل كلاهما، بشعره ونثره نفثة من نفثات الأندلس المحتضرة، ويودع كلاهما رسائله أنفس نماذج تراثها الأدبى الأخير. وتوفي ابن عميرة بتونس عن سن عالية، في شهر رمضان سنة ٦٥٨ هـ، وقيل في ذي الحجة سنة ٦٥٦ هـ (١).
- ٤ -
وأما عن الرواة والمؤرخين الذين ظهروا في العصر الموحدي، فليس لدينا منهم سوى القليل، بيد أنه قد انتهى إلينا من تراث هذه الحقبة، عدد من المصادر القيمة الهامة، وفي مقدمتها تلك السلسلة النفيسة من تراجم العصرين المرابطي والموحدى، وهي التي بدأت بكتاب " الصلة " لابن بشكوال. وقد سبق أن ترجمنا لابن بشكوال ضمن مؤرخي العصر المرابطي، وجاء ابن الأبار القضاعى فوضع معجمه " التكملة " ليتم به معجم " الصلة " وليصل بما يتضمنه من التراجم إلى ما بعد سنة ٦٥٠ هـ بقليل، وليقدم لنا بذلك ثبتاً حافلاً ضخماً من أعلام الفكر الأندلسي، في سائر ميادينه، خلال العصر الموحدي. وجاء من بعد ابن الأبار، العلامة المغربى الثقة، ابن عبد الملك المراكشي المتوفى أواخر القرن السابع، فوضع معجمه الضخم " الذيل والتكملة لكتابى الموصول والصلة " تكملة لهذه السلسلة النفيسة. مستدركا فيها الكثير مما فات سلفيه، ومتوسعا في كثير من التراجم المشتركة، هذا إلى ما يقدمه إلينا خلال هذه التراجم عن أحداث العصر الموحدي، سواء بالمغرب أو الأندلس من نبذ تاريخية قيمة، ومن وثائق فريدة أحيانا. وقد عاش ابن عبد الملك في أواخر العصر الموحدي، وأدرك نهايته، ثم توفي بعد ذلك بنحو ثلث قرن. وجاء أخيراً من بعد ابن عبد الملك
(١) تراجع ترجمة ابن عميرة في الإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ١٧٩ - ١٨٦، وعنوان الدراية ص ١٧٨ - ١٨٠