غدرهم وعدوانهم، أمرت بشد جدار المدينة، فشد بالرجال والأسلحة، ثم أنهضت الأجناد خيلا ورجالا، إلى من تداعى من الفسقة في أرباضها، فأقحموا الخيل في شوارعهم وأزقتهم، وأخذوا بفوهاتها عليهم، ثم صدقوهم الحملات، وكورهم بالسَّدَّات المتواليات، فما صبر العبدان أن كشفوا السوءات، ومنحوا أكتافهم المتواليات، وأمكن الله منهم ذوى البصائر المؤيدات، فأسلمهم الله بجريرتهم، وصدعهم ببغيهم، وأخذهم بنكثهم، فقتلوا تقتيلا، وعموا تدميراً، وعروا تشويهاً وتمثيلا، جزاء عاجلا على الذي نكثوه من بيعتنا، ودفعوه من طاعتنا، ولعذاب الآخرة أخزى وأشد تنكيلا. فلما قتلهم الله بجرمهم فيها، وأحسن العون عليهم لنا، أمسكت عن نهب الأموال، وسبي الذرية والعيال، وعن قتل من لا ذنب له من أهل البراءة والاعتزال، ازدلافاً إلى رضى الله ناصري عليهم ذى العزة والجلال، تهنأت صلحه وفلحه، واستورعت حمده وشكره، فاحمدوا الله ذا الآلاء والقمع، معشرة الأولياء والرعية، الذي أتاح لنا ولجميع المسلمين في قتلهم وإذلالهم، وقمعهم وإهلاكهم، مما أعظم به علينا المنة، وخصنا فيه بالكفاية، وتمم علينا وعليكم به النعمة، فقد كانوا أهل جرأة مقدم، وذعرة ضلالة، واستخفاف بالأئمة، وظهير إلى المشركين، وحطوط إليهم، وتحنن لدولتهم، فلله الحمد المكرور، والاعتراف المذخور، على قطع دابرهم، وحسم شرهم، أحببت إعلامك بالذي كان من صنع الله عليهم لولائك بنا، ومكانك منا، لمشاركتنا في نصرته، وتحمد الله ومن قبلك من شيعتنا ومعتقدي طاعتنا، على جميل صنعه فيه، وتشيعوا شكره عليه إن شاء الله " (١).
ومن نظم الحكم في واقعة الربض قوله:
رأيت صدوع الأرض بالسيف واقعاً ... وقدما لأمت الشعب مذ كنت يافعا
فسائل ثغوري هل بها اليوم ثغرة ... أبادرها مستنضى السيف دارعا
(١) نقلنا هذه الوثيقة عن مخطوط ابن حيان المشار إليه (ص ١٠٣ و١٠٤). وتراجع حوادث واقعة الربض في ابن الأبار (الحلة السيراء ص ٣٩ و٤٠)، والبيان المغرب (ج ٢ ص ٧٧ و٧٨)، والمعجب للمراكشي (ص ١١)، وابن الأثير (ج ٦ ص١٠١ و١٠٢)، وابن القوطية ص ٥١ و٥٢. ويورد ابن خلدون والمقري عن الواقعة روايات محرفة متداخلة في حوادث سابقة (راجع ابن خلدون ج ٤ ص ١٢٦، ونفح الطيب ج ١ ص ١٥٦). ووردت في مخطوط ابن حيان عنها تفاصيل كثيرة منسوبة إلى الرازي وغيره (ص ١٠٣ - ١١٠).