وغير ذلك مما يؤدي إلى جودة الأرض ووفرة الإنتاج (١).
- ٣ -
ونعود الآن إلى ذكر عباقرة الطب خلال العصر الموحدي، وهم الذين غلبت عليهم صفة الفلسفة قبل كل شىء، بالرغم من نبوغهم في الطب، واعتبارهم من أعظم الأطباء في العصور الوسطى.
هؤلاء هم ثلاثة، أبو بكر بن طفيل، وأبو الوليد بن رشد، وموسى بن ميمون القرطبي.
فأما ابن طفيل، فهو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسى، من أهل وادي آش. ولسنا نعرف تاريخ مولده بالتحقيق، وربما ولد في الأعوام الأولى من القرن السادس الهجرى. ودرس ابن طفيل الحديث والفقه واللغة، على أبي محمد الرُّشاطى، وعبد الحق بن عطية، وغيرهما من أقطاب العصر. ولكنه مال إلى الحكمة وعلوم الأوائل، ودرس الحكمة على أبي بكر ابن الصائغ (ابن باجة) وغيره، وبرع في الفلسفة والطب، وكان عالماً محققاً، شغوفاً بالحكمة المشرقية، متصوفاً، طبيباً ماهراً في أصول العلاج، وفقيهاً بارع الإعراب. وكاتباً بليغاً، ناظماً ناثراً، مشاركاً في عدة فنون. وبدأ ابن طفيل حياته العامة بخدمة المتغلب على بلده وادي آش، أحمد بن ملحان الطائى في سنة ٥٤٠ هـ. ولما سقطت حكومة ابن ملحان بعد ذلك بأعوام قلائل، انتقل ابن طفيل إلى خدمة الموحدين، وكتب لوالى غرناطة الموحدي. ولما ولى السيد أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن حكم إشبيلية، التف حوله جماعة من العلماء والمفكرين، كان منهم ابن طفيل. وكان الأمير يشغف بمجالس العلم، ويؤثر العلماء بصحبته. ولما تولى هذا الأمير الخلافة عقب وفاة أبيه في سنة ٥٥٨ هـ، عين ابن طفيل طبيبه الخاص وكان فضلا عن ذلك يندبه لبعض المهام الخلافية الدقيقة، ومن ذلك أن عهد إليه بالسعى لتأليف طوائف العرب، وترغيبهم في الجهاد، وفي سبيل ذلك وضع ابن طفيل، وكان إلى جانب علمه الغزير، شاعراً مجيداً، قصيدته الشهيرة، يهيب فيها بالعرب أن ينهضوا للمشاركة في الجهاد، ومطلعها:
أقيموا صدور الخيل نحو المضارب ... لغزو الأعادى واقتناء الرغائب
(١) نشر كتاب الفلاحة لابن العوام لأول مرة بمدريد سنة ١٨٠٢ في مجلدين كبيرين من مخطوطه الموجود بمكتبة الإسكوريال، بعناية القس يوسف أنطونيو بانكيرى مقرونا بترجمة إسبانية