للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما عبر الخليفة أبو يعقوب يوسف إلى الأندلس في أواخر سنة ٥٦٦ هـ، واستطالت إقامته في إشبيلية بضعة أعوام، التف حوله رهط من صفوة العلماء، كان في مقدمتهم ثلاثة من أعظم الأطباء والفلاسفة المسلمين، هم طبيبه الخاص ابن طفيل، وتلميذه القاضي الفيلسوف أبو الوليد بن رشد، والعلامة الطبيب أبو بكر ابن زهر. وقد سبق أن أشرنا إلى شغف الخليفة أبي يعقوب يوسف بالدراسات الفلسفية، وشغفه بملازمة ابن طفيل، والأخذ عليه، كما أشرنا إلى الدور الذي قام به ابن طفيل في الإيعاز إلى تلميذه ابن رشد بعمل تلخيص جديد لشروح أرسطو. وكان ابن طفيل يقوم بمهمة السفارة بين الخليفة وبين العلماء، ويدعوهم باسمه من مختلف الأقطار، وينبه على أقدارهم لديه، ويحثه على إكرامهم والتنويه بهم، وهو الذي نوه بفضل تلميذه ابن رشد وبراعته لدى الخليفة حتى علت مكانته لديه. ولما توفي الخليفة أبو يعقوب يوسف في ربيع الآخر سنة ٥٨٠ هـ، عقب نكبة جيشه في موقعة شنترين، استمر ابن طفيل في منصبه طبيبا خاصا لولده الخليفة الجديد أبي يوسف يعقوب المنصور، ولكنه لم يعش بعد ذلك طويلا إذ توفي بمراكش في أواخر سنة ٥٨١ هـ (١١٨٥ م)، وحضر الخليفة جنازته (١). وأشهر مؤلفات ابن طفيل رسالة " حى بن يقظان " أو " أسرار الحكمة المشرقية " و " الأرجوزة الطبية المجهولة " و " رسالة في النفس " وغيرها من مؤلفات ورسائل لم تصل إلينا. وقد انتهت إلينا لحسن الحظ رسالة " حى بن يقظان " وهي تلخيص فلسفى رائع لأسرار الطبيعة والخليقة، عرضت خلال حياة وأعمال طفل، خلق من " بطن الأرض " في جزيرة مجهولة من جزائر الهند جنوبي خط الإستواء، وهذا الطفل هو " حى ". وقد استطاع بالملاحظة والتأمل التدريجى لظروف الحياة، ومظاهرها الطبيعية، أن يصل إلى أسرار الطبيعة، وأسرار الحكمة العليا، وأن يتقرب في تأمله وصومه من الله. وبالرغم من صغر حجم هذه الرسالة الفلسفية، وهو لا يزيد عن خمسين صفحة، فقد لفتت بروعتها أنظار النقد الحديث، وترجمت إلى اللاتينية منذ القرن السابع عشر، كما ترجمت بعد ذلك إلى لغات أخرى (٢). وأما ابن رشد، فهو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد


(١) راجع في ترجمة ابن طفيل، الإحاطة مخطوط الإسكوريال ١٦٧٣ الغزيرى لوحة ٥٠ - ٥٧، والمعجب للمراكشي ص ١٣٤ - ١٣٥. وراجع ص ١٣٦ من هذا الكتاب.
(٢) ترجمها إلى اللاتينية Pockocke، ونشرت بأكسفورد سنة ١٦٧١ بعنوان Philosophus Autodidacius ونشرت ترجمتها الإنجليزية في سنة ١٧٠٨ بقلم Ockly والفرنسية سنة ١٩٠٠ بقلم Gautier ونشرت ترجمتها الإسبانية سنة ١٩٠٠ بقلم المستشرق Pons Boigues

<<  <  ج: ص:  >  >>