للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٢٦٩ م) سار الواثق بالله المعروف بأبى دبوس خليفة الموحدين من مراكش لقتال بنى مرين، والتقى الجمعان فى وادى غفّو بين فاس ومراكش، فهزم الموحدون بعد معركة شديدة، وقتل منهم عدد جم فى مقدمتهم الواثق، واستولى أبو يوسف على معسكرهم ومؤنهم وخزائنهم، ثم سار إلى مراكش فدخلها فى التاسع من المحرم لسنة ٦٦٨ هـ، وتسمى بأمير المسلمين، وبذلك انتهت دولة الموحدين فى المغرب، كما انتهت فى الأندلس، بعد أن عاشت زهاء قرن وثلث قرن، وقامت مكانها دولة بنى مرين تسيطر على أنحاء المغرب الأقصى كله، وتستقبل عهداً جديداً من القوة والسلطان (١).

إلى تلك الدولة الجديدة الفتية، كانت تتجه أنظار الأندلس كلما لاح لها شبح الخطر الداهم. وقد شاء القدر أن تلعب دولة بنى مرين وريثة المرابطين والموحدين، فى حوادث الأندلس الداخلية والخارجية أعظم دور. ولم تفت مؤسس مملكة غرناطة أهمية التحالف مع بنى مرين والاستنصار بهم، فبعث قبيل وفاته بقليل حسبما رأينا إلى السلطان أبى يوسف يعقوب بن عبد الحق الملقب بالمنصور يطلب إليه غوث الأندلس وإنجادها. وكان السلطان أبو يوسف حينما وصله صريخ ابن الأحمر فى سنة ٦٧٠ هـ يسير إلى غزو تلمسان، فلما وقف من الرسل على حال الأندلس وما يهددها من الأخطار، جمع أشياخ القبائل، واتفق الجميع على وجوب إنجاد الأندلس والجهاد فى سبيل الله، وأرسل السلطان إلى الأمير يَغْمُراسن صاحب تلمسان يعرض عليه عقد الصلح، لكى يتمكن من العبور إلى الأندلس، فأبى واقتتل الفريقان على مقربة من وَجْدة، فى شهر رجب سنة ٦٧٠ هـ (١٢٧٢ م) فهزم يغمراسن وفر جريحا (٢)، وعاد أبو يوسف مظفراً إلى المغرب، وهو يعتزم استجابة دعوة الأندلس وإنجادها.

على أنه مضى أكثر من عامين، قبل أن تسنح له الفرصة المرجوة. فلما تولى محمد الفقيه، أرسل عقب ولايته بقليل وفداً من أكابر الأندلس إلى ملك


(١) راجع فى أصل بنى مرين ونشأتهم، الذخيرة السنية ص ١٠ و ١٦ و ٩٤ و ٩٩ و ١٢٣ و ١٢٤؛ والاستقصاء ج ٢ ص ١٣ و ١٤؛ وابن خلدون ج ٧ ص ١٦٦ - ١٨٠. هذا وقد عثرنا فى مكتبة مدريد الوطنية على قطعة صغيرة من مخطوطة عنوانها " ذكر الياقوتة الحلية فى الذرية السعيدية المرينية المباركة العبد الحقية " وهى فى أربعة عشرة صفحة تتناول نشأة بنى مرين وسيرتهم حتى بداية السلطان أبى يوسف، ولا يخرج ما ورد فيها عما قدمنا خلاصته.
(٢) الذخيرة السنية ص ١٤٨؛ والاستقصاء ج ٢ ص ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>