للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى أهل الشمال (١). واشتهر النورمانيون بجرأتهم في جوب البحار الشمالية، وبراعتهم في مغالبة قسوة الجليد وأهوال اللجة والطبيعة، ولم يأت القرن الثامن الميلادي حتى كانت حملاتهم البحرية الناهبة، تثخن في شواطىء الجزر البريطانية.

وكان جدب الوطن، وشظف العيش، وروح المخاطرة، تدفع بهم دائماً إلى عرض البحار، وتجعلهم خطراً دائماً على الشواطىء والثغور المجاورة. وفي أوائل القرن التاسع وصلت حملاتهم الناهبة إلى شواطىء بلاد الفرنج (فرنسا)، ثم نفذت جموع منهم إلى شمال فرنسا. وغزوا مصب اللوار ومصب الجارون، وأنشأوا لهم عدة مراكز وقواعد في تلك الأنحاء.

وهنا بدأ تطلع النورمانيين إلى اسبانيا. والأندلس بنوع خاص. وكانت نعماء الأندلس، وما اشتهرت به من الخصب والغنى، تثير جشع أولئك الغزاة المغامرين، ولم تكن الأندلس تحسب حساباً لذلك الخطر الداهم المستتر معاً، لأنها لم تعرف النورمانيين من قبل، ولا تعرف لهم بقربها أرضاً أو مستقراً. وتطلق الرواية الإسلامية على أولئك الغزاة المجهولين إسم "المجوس"، بيد أنها تعرفهم أيضاً "بالأردمانيين" أى النورمانيين، وقد ترجع هذه التسمية إلى أن النورمانيين كانوا في العهد الذي عرفهم فيه عرب الأندلس لأول مرة " مجوساً " أى وثنيين لم يعتنقوا النصرانية بعد. وكان ظهور النورمانيين في المياه الإسبانية، لأوّل مرة في سنة ٨٤٣ م. ففي تلك السنة خرج أسطول نورماني من نهر الجارون وعاث في شواطىء مملكة جليقية، فبعث ملكها راميرو (رذمير) إليهم جيشاً ردهم وأحرق كثيراً من سفنهم، فانقلب النورمانيون عندئذ إلى مياه إسبانيا الغربية والجنوبية، يجوبونها في طلب السبي والغنيمة، واقتحموا شواطىء المملكة الإسلامية (الأندلس) في غزوتهم الأولى.

وتضع الرواية الإسلامية هذه الغزوة في سنة ٢٣٠ هـ، وتحدثنا عنها بإفاضة، فتقول لنا إن أسطولا مجوسياً (نورمانياً) قوامه زهاء ثمانين مركباً، رسا في مياه أشبونة (٢) في أواخر سنة ٢٢٩ هـ (يوليه أو أغسطس سنة ٨٤٣ م)، فكتب عاملها وهب الله بن حزم إلى عبد الرحمن بن الحكم ينبئه بالخطر، فكتب عبد الرحمن


(١) وهي بالإفرنجية Norsmen أو Normanen
(٢) لشبونة Lisboa عاصمة البرتغال الحديثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>