وجوى الذى ربى جناحى وكره ... فها أنا ذا ما لى جناح ولا وكر
ومنها:
قصدناك يا خير الملوك على النوى ... لتنصفنا مما جنى عبدك الدهر
وأنت الذى تُدعى إذا دهم الردى ... وأنت الذى ترجى إذا أخلف القطر
ومثلك من يرعى الدخيل ومن دعا ... بيالمرين جاءه العز والنصر
فكان لإنشاده أعظم وقع فى النفوس، وتأثر السلطان لدعوته وندائه أيما تأثر (١). ولبث السلطان المخلوع فى بلاط فاس حيناً، وتوثقت بينه وبين المؤرخ الفيلسوف ابن خلدون، وهو يومئذ من أكابر رجال الدولة المرينية، روابط المحبة والصداقة، وعقدت أيضاً بين المؤرخ وبين قرينه ابن الخطيب أواصر صداقة نمت وتوثقت فيما بعد. وكان كلا المفكرين العظيمين يقدر مواهب صاحبه ويحله أسمى مقام، وكان كلاهما أستاذ عصره وقطره فى التفكير والكتابة. وكان محمد ابن الأحمر يؤمل أن يسترد ملكه المنزوع بمعاونة بيدرو الثانى (بطره) ملك قشتالة تنفيذاً للاتفاق الذى عقد بينهما، ولكنه لم يفعل شيئاً لتحقيق هذا الأمل. والواقع أن ملك قشتالة كان مشغولا بشئون مملكته وما يسودها من اضطراب، فآثر أن يعقد السلم مع سلطان غرناطة الجديد. وفى أثناء ذلك حدث انقلاب لقى فيه السلطان أبو سالم مصرعه، واستبد بالدولة الوزير عمر بن عبد الله، فسعى لديه ابن الأحمر ليعاونه على استرداد ملكه، فاستجاب إليه الوزير، وما زال محمد يدبر أمره بمعاونته، حتى تهيأت الفرصة بوقوع الثورة فى غرناطة، ومقتل منافسه السلطان إسماعيل، على يد المتغلب عليه الرئيس أبى سعيد؛ فجاز إلى الأندلس ونزل بمالقة، ثم سار إلى رندة، وكانت عندئذ من أملاك بنى مرين، وقد نزل له عنها الوزير عمر بن عبد الله، وسار منها فى صحبه وعصبته إلى غرناطة فاستولى عليها، وفر الرئيس أبو سعيد إلى ملك قشتالة، واسترد محمد ملكه (جمادى الآخرة
(١) الإحاطة، المقدمة ص ٣٨ - ٤٣؛ واللمحة البدرية ص ١٠٨؛ وابن خلدون ج ٧ ص ٣٠٦ وما بعدها؛ وأزهار الرياض ج ١ ص ١٩٤ و ١٩٥.