للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة ٧٦٣ هـ - ١٣٦١ م) وما لبث أن لحق به وزيره ابن الخطيب استجابة لدعوته، وعاد إلى سابق مكانته ونفوذه. وكان فى مقدمة ما فعله الغنى بالله أن قبض على إدريس بن أبى العلاء وقرابته من الغزاة، وأودعوا السجن، ومحا خطة مشيخة الغزاة من بنى مرين، وأسندها لابنه وولى عهده الأمير يوسف، فلبث مضطلعا بها زهاء ثلاثة أعوام. وكان علىّ بن بدر الدين بن موسى بن رحُو، مقدما على الغزاة فى منطقة وادى آش، وكان حينما فقد الغنى بالله ملكه، قد صحبه فى منفاه.

ولما عاد إلى الأندلس، عاد معه. فلما فكر الغنى بالله فى إحياء مشيخة الغزاة، وبحث عمن يسندها إليه، وقع اختياره على علىّ بن بدر الدين هذا، فعينه فيها (٧٦٧ هـ)، ولكنه ما لبث أن توفى بعد عام فقط من تقلده إياها، فعندئذ قرر الغنى بالله أن يمحو هذه الخطة نهائياً من خطط مملكته، وصار أمر الغزاة والمجاهدين إلى السلطان مباشرة، وعنى بشئونهم بنفسه، وخص القرابة المضطلعين بها بعطفه وتكرمته. وانتهت بذلك رياسة بنى مرين لهذه الخطة الهامة من خطط، مملكة غرناطة بعد أن اضطلعوا بها زهاء قرن (١).

ووفد المؤرخ ابن خلدون بعد ذلك بقليل على غرناطة، فاحتفى به السلطان وأكرم مثواه، وأرسله سفيراً عنه إلى بيدرو ملك قشتالة ليوثق أواصر الصداقة بينهما (٧٦٥ هـ - ١٣٦٣ م)، فقصد ابن خلدون إلى بلاط إشبيلية ومعه هدية فخمة، وأدى سفارته ببراعة، وحظى بعطف ملك قشتالة وإعجابه. وهو يعرض لنا حوادث هذه السفارة فى "التعريف" بتفصيل شائق، ويقول لنا إنه عاين آثار أسرته بإشبيلية، وقد كانت منزل بنى خلدون أيام الدولة الإسلامية، وفيها سطع نجمهم حيناً، وإن ملك قشتالة وقف على تاريخ أسرته، وعرفه به وبمكانته طبيب يهودى فى بلاطه يدعى إبراهيم بن زرور، وكان قد تعرف به فى مجلس السلطان أبى عنان من قبل، ثم يقول لنا إن ملك قشتالة عرض عليه عندئذ أن يبقى فى خدمته، وأن يسعى لدى زعماء دولته ليرد إليه تراث أسرته بإشبيلية، ولكنه أبى. ولما اعتزم ابن خلدون العودة بعد أن أتم مهمته، وهبه ملك قشتالة "بغلة فارهة بمركب ثقيل ولجام ذهبيين" فأهداهما إلى السلطان. وسُرّ السلطان لنجاحه وأقطعه قرية إلبيرة بمرج غرناطة، وعاش فى بلاط السلطان فترة أخرى، معززاً مكرماً (٢).


(١) راجع كتاب العبر ج ٧ ص ٣٧٧ - ٣٧٩.
(٢) راجع تفاصيل هذه السفارة فى ابن خلدون، فى "التعريف " أو ترجمته لحياته فى =

<<  <  ج: ص:  >  >>