للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يمض قليل على ذلك حتى شغلت قشتالة مدى حين بمنازعاتها وحروبها الداخلية، وتمتعت غرناطة خلال ذلك بهدنة قصيرة؛ وكان بيدرو ملك قشتالة (دون بطره) الملقب بالقاسى، الذى خلف أباه ألفونسو الحادى عشر فى سنة ١٣٥٠ م قد غلا فى استبداده وقسوته، حتى أنه لم يحجم عن قتل زوجته الملكة بلانش دى بوربون أخت ملك فرنسا بالسم، ليتزوج من خليلته، فسخط عليه الأمراء والأشراف لما نالهم من عسفه، وخرج عليه أخوه غير الشرعى الكونت هنرى دى تراستمارا، ولد إلينورا دى كزمان، وفر إلى فرنسا، وتحالف مع ملكها شارل الخامس، على أن يجمع له جيشاً من المرتزقة يقوده إلى قشتالة؛ وأشرف على تنفيذ المشروع الدوق دى جسكلان زعيم الفروسية الفرنسية يومئذ. وقاد هنرى جيشه إلى قشتالة (١٣٦٦ م)، فلم يَقْوَ بيدرو على مقاومته لاشتداد السخط عليه، وتخلى الشعب عنه، وفر إلى ولاية جويين الفرنسية فيما وراء البرنيه، واستغاث بالأمير إدوارد ولىّ عهد انجلترا، وقد كان يحكم هذه الأنحاء المحتلة من فرنسا باسم أبيه، فاستجاب الأمير الإنجليزى لدعوته، وسار معه إلى قشتالة فى قواته، واستطاع الكونت هنرى بمعاونة شعبه، ومعاونة ملك أراجون، أن يحشد جيشاً عظيما. والتقى الفريقان فى "نجارا " فى الثالث من ابريل سنة ١٣٦٧، فهزم الكونت هنرى بالرغم من وفرة جموعه، وقتل عدد كبير من جيشه، واسترد بيدرو عرشه. ولكنه لم يف بوعده إلى الأمير الإنجليزى، ولم يؤد إليه الجزية المشترطة، فسخط عليه وارتد بقواته إلى الشمال. وعندئذ عادت الثورة إلى الاضطرام فى قشتالة، ووثب الشعب ببيدرو مرة أخرى، وعاد أخوه الكونت هنرى فغزا قشتالة فى أنصاره، ونشبت بين الفريقين فى "مونتيل" موقعة أخرى هزم فيها بيدرو وقتل، وجلس أخوه مكانه فى العرش (سنة ١٣٦٨ م) (١). وكان بين قوات الملك القتيل فرقة من حلفائه المسلمين. تعاونه وتذود عنه.

وقد كان وراء هذه الحرب الأهلية، فيما يبدو خطة نصرانية موضوعة للقضاء على المملكة الإسلامية بالأندلس. ولدينا ما يلقى الضياء على ذلك فى رسالة الوزير ابن الخطيب، بعث بها فى تلك الآونة، على لسان سلطانه الغنى بالله، إلى سلطان


= كتاب العبر ج ٧ ص ٤١٢، والتعريف (طبعة لجنة التأليف والترجمة) ص ٨٤ و ٨٥؛ والإحاطة
ج ٢ ص ١٥ (طبعة قديمة).
(١) David Hume: History of England (١٨٤٨) V. II. p. ٢٠٢-٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>