تلمسان الأمير أبى حمّو عبد الرحمن بن موسى، ففى هذه الرسالة التى وردت على بلاط تلمسان فى شهر رمضان سنة ٧٦٧ هـ (يونيه سنة ١٣٦٦ م)، والتى وجهها بلاط غرناطة بطلب المعاونة والإنجاد، يقول لنا ابن الخطيب، إن كبير دين النصرانية (يريد البابا)، لما أعيته الحيلة فى جمع كلمة النصرانية فى قشتالة، حرك من النصارى جموعاً عظيمة لتعين القند (الكونت) على أخيه، فإذا انتصر واستقل بالملك، تحالف النصارى الإسبان جميعاً ضد المسلمين؛ وقسم البابا تراث المملكة الإسلامية (الأندلس) بين قشتالة وأراجون، فتختص منها أراجون بما يلى الشاطىء الشرقى الجنوبى حتى ألمرية، وتختص قشتالة بالباقى، وتجتمع الأساطيل النصرانية فتحتل الساحل الجنوبى، وتقطع ما بين المغرب والأندلس، ويقوم النصارى بالعيث فى أراضى المسلمين، وإتلاف سائر الغلات والأقوات. ويتوجه بلاط غرناطة بعد شرح هذه الخطة إلى أمير تلمسان بطلب الغوث والإنجاد. وقد استجاب أبو حمو إلى هذا النداء، وبعث إلى الأندلس بالأموال، والسفن المشحونة بالخيل والسلاح والأقوات. واستوجبت هذه الأريحية توجيه رسالة أخرى من سلطان غرناطة إلى الأمير أبى حمو معرباً فيها عن خالص الشكر والعرفان (١).
تلك هى الخطة التى يقول لنا ابن الخطيب فى رسالته، إنها وضعت عندئذ للقضاء على مملكة غرناطة. ولكنها خطة لم يكن لها أى حظ من التنفيذ، وكانت مملكة غرناطة دائماً يقظة على أهبة الذود والدفاع.
وقد فصل لنا ابن الخطيب حوادث الحرب الأهلية فى قشتالة فى تلك الفترة، وقد كان معاصراً لها وقريباً من مسرحها. وروايته تدل على حسن اطلاعه، ودقة فهمه لسير الحوادث، فهو يقول لنا مثلا بعد أن أشار إلى ثورة الكونت هنرى على أخيه واستيلائه على العرش:
"ولما توسد له الأمر تحرك لاستئصال شأفة المخلوع، فأجلى عن غليسية فى البحر، واستقر وراء دروب قشتالة، وانتبذ عن الخطة القشتالية، ولجأ إلى ابن صاحب الأنتكيرة (انجلترا) وهو المعروف ببرقسين، وبين أرضه وبين قشتالة ثمانية أيام، فقبله ولد السلطان المذكور بأول ما تلقاه من تلك الأرض، وسفر
(١) وردت رسالة ابن الخطيب فى كتاب "بغية الرواد فى ذكر الملوك من بنى عبد الواد" تأليف الوزير يحيى بن خلدون (طبع الجزائر ١٩١٠) ج ٢ ص ١٧٠ - ١٧٤، ووردت به الرسالة الثانية، وهى أيضاً من إنشاء ابن الخطيب، فى ص ١٧٤ - ١٨١.