للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينه وبين أبيه، فأنكر الأب استئذانه إياه والمراجعة فى نصره، حمية له وامتعاضاً منه. وحال هذه الأمة غريبة فى الحماية الممزوجة بالوفاء، والرقة والاستهانة بالنفوس فى سبيل الحمية، عادة العرب الأول، وأخبارهم فى القتال غريبة ... وبعد انقضاء سبعة عشر يوما، كان رجوعه ورجوع الرئيس المذكور معه، مصاحباً بأمراء كثيرين من أخدانه، وبعد أن تسلموا مالا كثيراً ... وكان اللقاء بين الفريقين يوم السبت سادس أبريل العجمى بموافقة شعبان من عام ثمانية وستين (ابريل ١٣٦٧ م).

وكان هذا الجمع الإفرنجى آتين من الأرض الكبيرة (فرنسا) وكان على مقدم القوم الدك (الدوق) أخو البرنس ( Prince of Wales) ، وكان فى مقدمة القند (الكونت) المستأثر بملك قشتالة أخوه شانجه (سانشو) ... الخ". ثم يحدثنا بعد ذلك عن هزيمة " القند " وفراره إلى فرنسا، واستمرار الفتنة بينهم إلى وقت كتابة روايته (١).

تولى ابن الخطيب وزارة الغنى بالله للمرة الثانية، وهو متمتع بأقصى مراتب العطف والثقة، واستأثر فى البلاط وفى الدولة بكل نفوذ وسلطة، وقضى على نفوذ منافسه الوحيد فى السلطة وهو شيخ الغزاة عثمان بن يحيى، وما زال بالسلطان حتى نكبه، فخلا له الجو وتبوأ ذروة القوة والسلطان. وكان من معاونيه فى الوزارة تلميذه الكاتب والشاعر الكبير أبو عبد الله بن زَمْرَك، وقد تولى كتابة السر فى كنفه وتحت رعايته. والظاهر أن اجتماع السلطان والنفوذ فى يد ابن الخطيب على هذا النحو كان سبباً فى انحرافه عن جادة الاعتدال والروية، فجنح إلى الاستبداد واتباع الهوى، وبث حوله معتركا من البغضاء والخصومة، وكثرت فى حقه السعاية والوشاية، واتهمه خصومه بالإلحاد والزندقة، لما ورد فى بعض كتاباته. وشعر ابن الخطيب فى النهاية أن السعاية قد بدأت تحدث أثرها، وأن عطف مليكه قد فتر، وخشى العاقبة على نفسه، فعوّل على مغادرة الأندلس، وسار إلى الثغور الغربية فى نفر من خاصته بحجة تفقدها، فلما وصل إلى جبل طارق عبر البحر فجأة إلى سبتة (٧٧٣ هـ) وتفاهم سابق بينه وبين ملك المغرب السلطان عبد العزيز المرينى، وكانت تربطه به مودة وثيقة. وهكذا غادر ابن الخطيب الوطن والأهل والسلطان، بعد أن تربع فى الوزارة للمرة الثانية زهاء عشرة أعوام. وخلفه فى الوزارة تلميذه ابن زَمْرك، وكان قد انقلب عليه فى أواخر أيامه، وغدا من خصومه ومن أشدهم سعياً إلى نكبته.


(١) الإحاطة ج ٢ ص ٢٤ - ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>