وانتهز المسلمون هذه الفرصة، فقاموا بعدة غزوات ناجحة فى أراضى قشتالة. واستولوا على بعض القواعد والحصون حسبما فصلنا ذلك فى موضعه. وفى خلال ذلك تفاقمت الأمور فى قشتالة واشتد النزاع بين النبلاء، واستمرت هذه الحال طوال عهد الوصاية.
ولما بلغ الملك الطفل أشده، وتولى أمور الملك بنفسه، أخذت تتكشف صفاته المثيرة شيئاً فشيئاً. وبالرغم مما أبداه من مقدرة فى ضبط المملكة وتسيير الشئون، وما قام به من الإصلاحات الإدارية والقضائية، لتوطيد النظم التى يقوم عليها المجتمع القشتالى، فقد كان يلجأ إلى أشد أساليب العنف والقمع، وكان القتل وسيلته المثلى لحماية العرش وصون الدولة، وقد زهق على يديه كثير من الأمراء والنبلاء والزعماء، دون إجراءات ودون محاكمة، حتى لُقِّب من أجل ذلك "بالمنتقم". وكان البلاط القشتالى فى عهده مرتعا للفجور والإثم. وكانت الملكة الشرعية الأميرة ماريا البرتغالية تعيش منبوذة فى عزلة مطبقة، وتسيطر على القصر والدولة خليلة الملك إليونورا دى كزمان، وقد رزق منها ألفونسو بعدة أبناء غير شرعيين. وهكذا كانت قشتالة تجوز يومئذ عهداً من الإرهاب، والانحلال السياسى والاجتماعى.
ومع ذلك فقد كان ألفونسو الحادى عشر ملكا قوى البأس والعزم. وكان يضطرم نحو المملكة الإسلامية بمشاريع خطرة. وكانت غرناطة شعوراً منها بالخطر الذى يحدق بها. قد استغاثت بجارتها القوية وراء البحر مرة أخرى، وبعث السلطان أبو الحسن المرينى جيوشه لنجدة الأندلس، واجتمعت جيوش الممالك النصرانية، قشتالة وأراجون للقاء الجيوش المغربية وهزمتها فى موقعة دموية فى سنة ١٣٣٩ م؛ فاعتزم السلطان أبو الحسن أن يثأر لنفسه من تلك الهزيمة، وجاز البحر بنفسه إلى الأندلس فى أسطول وجيش عظيمين، واجتمعت الجيوش النصرانية بقيادة ألفونسو الحادى عشر، والتقت بجيوش الأندلس والمغرب على ضفاف نهر سالادو فى الجزيرة الخضراء، ونشبت بين الفريقين موقعة حاسمة هزم فيها المسلمون شر هزيمة وسقط معسكر سلطان المغرب ومخيمه فى يد النصارى حسبما فصلنا فى موضعه، وكان ذلك فى ٣٠ أكتوبر سنة ١٣٤٠ م (جمادى الأولى سنة ٧٤١ هـ)، واستولى النصارى على طريف والجزيرة الخضراء.
واستمرت غزوات النصارى لأراضى غرناطة بضعة أعوام أخرى. وفى سنة