١٣٤٩ م زحف القشتاليون على سهول الجزيرة الخضراء. وكان ثغر جبل طارق الذى استولى عليه النصارى مدى حين قد عاد إلى المسلمين، واعتزم ملك قشتالة أن يحاول استرداده، فضرب حوله الحصار الصارم، واستمر الحصار زهاء عام، والمسلمون داخل الصخرة صامدين، وملك غرناطة يرابط بجيشه من وراء النصارى. ثم فشا الوباء فى جيش النصارى، وهلك منه عدد جم، وكان ملك قشتالة فى مقدمة الضحايا، فاضطر النصارى إلى رفع الحصار، وأنقذ جبل طارق بما يشبه المعجزة (سنة ١٣٥٠ م).
وهكذا توفى ألفونسو الحادى عشر ملك قشتالة فى إبان قوته ومجده، ولما يبلغ الثامنة والثلاثين من عمره، فخلفه ولده بيدرو الثانى الملقب بالقاسى الذى تعرِّفه الرواية الإسلامية "بدون بطره". وبيدرو شهير فى الرواية الإسلامية أولا لأنه هو الملك الذى أوفد إليه المؤرخ الفيلسوف ابن خلدون سفيراً من قبل ملك غرناطة، ووصف لنا فى التعريف سفارته لديه وإقامته فى قشتالة (١). وثانيا لأنه معاصر للوزير ابن الخطيب مؤرخ غرناطة، وقد تناول أخباره فى تاريخه بتفصيل ووضوح.
ولجأ بيدرو الثانى إلى نفس الأساليب الدموية التى لجأ إليها أبوه فى توطيد سلطانه، فأسرف فى قتل خصومه، وبسط على قشتالة حكم إرهاب مروع، وقيل إنه لجأ إلى قتل زوجه الشرعية بلانش دى بوربون بالسم ليتزوج من خليلته، وعهد بإدارة حكومته إلى رهط من اليهود ارتيابا منه فى أبناء وطنه، وأنشأ له حرساً من المدجَّنين. ونشب الخلاف بينه وبين إخوته غير الشرعيين أبناء إلينورا دى كزمان، ولاسيما كبيرهم الكونت هنرى دى تراستمارا. وانحاز الأشراف إليهم، واضطرمت قشتالة مدى أعوام بثورات داخلية، ثم استحالت إلى حرب أهلية ضروس، واستطاع الكونت هنرى أن يحصل على معاونة ملك فرنسا، وأن ينتزع لنفسه عرش قشتالة، وفر بيدرو واستغاث بالأمير أدوارد ولى عهد انجلترا المعروف بالأمير الأسود، فأمده بجنده واستطاع أن يسترد عرشه مدى حين.
ولكن أخاه الكونت هنرى عاد إلى محاربته فهزم وقتل فى موقعة مونتيل فى سنة ١٣٦٨ م. وقد عرضنا إلى هذه الحوادث بالتفصيل فى حديثنا عن عصر السلطان محمد الغنى بالله. وقد كانت تربطه ببيدرو الثانى معاهدة صداقة وتحالف، وكانت