غرناطة إلى جانبه فى محنته، وكان لهذه الحوادث صدى خاص فى الرواية الإسلامية عرض إليه ابن الخطيب فى كتابه "الإحاطة" على نحو ما قدمنا.
وعلى أثر موقعة مونتيل استقر الكونت هنرى دى تراستمارا مكان أخيه على العرش (١٣٦٨ م)، وبدأ بذلك ثبت جديد من ملوك قشتالة. وفى عهده استتب الهدوء والنظام فى قشتالة، وأقبل الأشراف على تأييده، وكان للمدن التى آزرته فى جنوده لنيل العرش امتيازات خاصة، وكذلك ازدهر البرلمان القشتالى (الكورتيس) واشتد ساعده، ولكنه لم يوفق إلى الحد من طغيان العرش. وأبدى الكونت هنرى فى تسيير الشئون الداخلية مقدرة، وأصاب نجاحا يذكر، واستطاع فى ميدان الشئون الخارجية أن يرغم البرتغال على عقد الصلح، وأن يهزم حملة بحرية فى مياه لاروشل. وكان حكمه على العموم فترة رخاء وأمن. وفى عهده انتهزت مملكة غرناطة فرصة اشتغال قشتالة بشئونها الداخلية فنظمت قواها، وأغارت غير مرة على أراضى قشتالة فى غزوات ناجحة، حسبما أشرنا إلى ذلك فى موضعه.
ولما توفى الكونت هنرى فى سنة ١٣٧٩ م، خلفه على العرش ولده خوان (يوحنا) الأول. وكان الأمير جون أوف جونت ولد إدوارد الثالث ملك انجلترا قد تزوج كبرى بنات بيدرو الثانى، وأخذ يطالب باسمها بعرش قشتالة، وكادت تضطرم من أجل ذلك حرب أهلية جديدة، ولكن خوان الأول استطاع أن يجتنب هذا الخطر بالتفاهم مع الأمير جون، والاتفاق معه على أن يقترن ولده بالأميرة كونستانس كبرى بنات الأمير الإنجليزى، وتم بذلك الزواج اتحاد فرعى ألفونسو الحادى عشر، وزوال خطر الحرب الأهلية المترتب على خصومتهما حول العرش، وحاول خوان الأول من جهة أخرى أن يطالب بعرش البرتغال عقب وفاة ملكها فرناندو سنة ١٣٨٣ م باسم زوجه الأميرة بياتريس، وهى الإبنة الوحيدة للملك المتوفى، وثارت من جراء ذلك بين قشتالة والبرتغال حرب هزم فيها القشتاليون فى موقعة "الخبرونا" فى سنة ١٣٨٥ م، واضطر ملك قشتالة أن ينزل عن دعواه.
وتوفى خوان الأول قتيلا على أثر سقوطه عن جواده (أكتوبر سنة ١٣٩٠ م) فخلفه على عرش قشتالة ولده هنرى (إنريكى) الثالث حدثا. وكان سقيما عليلا، ولم يطل أمد حكمه حينما بلغ الرشد سوى أعوام قلائل. بيد أنه استطاع فى حكمه القصير أن يوطد النظام والأمن داخل مملكته، وأن يقضى على شغب الأشراف،