ما يمكن أن يترتب على أعمال المتطرفين وسبهم للنبي من العواقب الخطيرة بالنسبة للنصارى. ولم يعترض المجلس على مبدأ الاستشهاد في ذاته، ولكنه أصدر قراره باستهجان مسلك أولئك المتطرفين، وتحذير النصارى المخلصين من حذو مسلكهم، ووجوب اعتقال كل مخالف (١). ولكن قرار الأساقفة لم يكف لتسكين فورة التعصب المزبد، وتمادى المتطرفون أنصار أولوخيو في غيهم، وزج إلى السجن منهم كثيرون، ومنهم أولوخيو نفسه، وكان بين المعتقلين بضع فتيات مسلمات بمولدهن من آباء مسلمين وأمهات نصارى، ولكن أضلهن الأمهات والقسس، ودفعن إلى التنصر وسب النبي، وكان منهن فتاة رائعة الحسن تدعى فلورا، عرفها أولوخيو وهام بها حباً.
وقصة هذه الفتاة حسبما يرويها سيمونيت، توضح لنا طريقة التحدي والاستثارة التي اتبعها المتطرفون لإحداث الشغب. فقد كانت فلورا ابنة مسلم من زوجه النصرانية، وتوفي أبوها وهي ما تزال طفلة، فربتها أمها على مبادىء المسيحية.
وكانت بالرغم من جمالها تبدي تحفظاً ونسكاً، وتزور الكنائس خفية لخوفها من أخيها الأكبر، وهو مسلم شديد التعصب. ثم فرت من دار أهلها، وتتبعها أخوها في كل مكان، فعادت إلى منزلها، وأعلنت لأخيها تمسكها بدين النصرانية، ولم ينجع في ردها الضرب والوعيد. فأخذها أخوها إلى القاضي، وأبلغه بأن أخته القاصر قد ضلت واعتنقت الدين المسيحي، وأنها تسب النبي ودينه، واعترفت فلورا بأنها نصرانية منذ طفولتها، ومتمسكة بدينها. ومع أن هذا الاعتراف بالردة يستحق عقوبة الموت، فإن القاضي اكتفى بتقرير ضربها ضرباً مبرحاً، أملا في أن تعود إلى صوابها. فاحتملت الفتاة العقوبة بجلد، وحملت إلى دارها منهوكة القوى، وصبرت أياماً حتى برئت من مرضها، ثم فرت من الدار ذات ليلة، وسارت هائمة على وجهها، حتى لجأت إلى دار نصراني في بلدة " مرتش " القريبة، والظاهر أن القس أولوخيو رآها هنالك، وأعجب بجمالها وحشمتها وورعها، وشعر نحوها بحب سماوي عميق.
ثم عادت فلورا بعد حين إلى قرطبة مواجهة كل خطر، معتزمة الاستشهاد، ولجأت إلى كنيسة سان إثيسكولو، وكانت قد لجأت إليها أيضاً فتاة نصرانية