للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومفاتيحها مقاليد ملك ... باعها الوارث المضيع ببخس

خرج القوم فى كتائب صم ... عن حفاظ كموكب الدفن خرس

ركبوا بالبحار نعشا ... وكانت تحت أبائهم هى العرش أمس

...

وأما أبو عبد الله، فقد اتجه إلى وجهة أخرى ليتجرع كأسه المرة إلى الثمالة، وكان قد تقرر اللقاء فى صباح ذلك اليوم بينه وبين ملك قشتالة، فخرج من باب مدينة الحمراء المسمى باب الطباق السبع Siete Suelos، فى طريقه إلى لقاء عدوه الظافر، وسيده الجديد، فى نفر من الفرسان والخاصة. فاستقبله فرناندو بترحاب وحفاوة فى محلته على ضفة نهر شنيل. وتصف لنا الرواية القشتالية هذا المنظر المؤثر فتقول إن أبا عبد الله حين لمح فرناندو هَمَّ بترك جواده، ولكن فرناندو بادر بمنعه وعانقه بعطف ومودة، فقبّل أبو عبد الله ذراعه اليمنى إيماءة الخضوع. ثم قدّم إليه مفتاحى البابين الرئيسيين للحمراء قائلا: "إنهما مفتاحى هذه الجنة، وهما الأثر الأخير لدولة المسلمين فى اسبانيا، وقد أصبحت أيها الملك سيد تراثنا وديارنا وأشخاصنا. هكذا قضى الله، فكن فى ظفرك رحيما عادلا". وتضيف الرواية القشتالية إلى ذلك أن فرناندو تناول المفتاحين قائلا: "لا تشك فى وعودنا، ولا تعوزنك الثقة خلال المحنة، وسوف تعوض لك صداقتنا ما سلبه القدر منك" (١). بيد أن مؤرخاً قشتالياً عاش قريباً من ذلك العصر، يقدم إلينا رواية أخرى ربما كانت أقرب إلى الصحة والمعقول، وهى أن مفاتيح الحمراء قدمها القائد ابن كماشه مأمور التسليم إلى الملك فرناندو حينما وصل إلى الباب الرئيسى، وأن فرناندو ناولها بدوره إلى قائده لوبث دى مندوسا (كونت تندليا) الذى عينه حاكماً عسكرياً لغرناطة (٢). وسار أبو عبد الله بعد ذلك صحبة فرناندو، إلى حيث كانت الملكة إيسابيلا فى ضاحية أرمليا، فقدم إليها تحياته وطاعته. ثم ارتد إلى طريق البشرّات ليلحق بأسرته وخاصته. وهنا تقول الرواية القشتاية إن أبا عبد الله


(١) تردد معظم التواريخ القشتالية اللاحقة وصف هذا المنظر الذى يصطبغ بلون الأسطورة.
وقد خلدته ريشة المصور الإسبانى فى أكثر من لوحة شهيرة تعرض فى المتاحف الإسبانية، وحفرته
يد الفنان فى داخل كنيسة طليطلة العظمى. راجع فى ذلك: L. Alcantara: ibid ; V. III. p. ٧٣
(٢) Luis del Marmol: Rebelion y Castigo de los Moriscos de Granada,
Lib. I, Cap. XX

<<  <  ج: ص:  >  >>