للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يُرغب فيهم، ولكنه لم يعش طويلا ليتم برنامجه فى الإصلاح، فعادت المساوىء القديمة أشد ما كانت، وسار الديوان فى قضائه المدمر وأساليبه المثيرة، لا يلوى على شىء. ولما جلس شارل الخامس على العرش كتب إليه مجلس قشتالة يقول: إن سلام المملكة وتوطيد سلطانه، يتوقفان على تأييده لديوان التحقيق. ولم ير شارل بعد فترة من التردد، إلا أن ينزل عند هذا النصح، وأن يفسح الطريق لسلطان الديوان القاهر، وذهبت كل الجهود للحد من عسف الديوان وعبثه سدى، وتوطد سلطان الديوان بقشتالة مدى قرون ثلاثة، كانت فى الواقع أخطر ما فى حياة الشعب الإسبانى (١).

- ٦ -

وقد رأينا كيف أنشىء ديوان التحقيق الإسبانى فى الأصل، لمطاردة الكفر وحماية الكثلكة من شبه المروق والزيغ، وكان إنشاؤه فى قشتالة قبيل انهيار مملكة غرناطة بقليل، وكان اليهود الذين تمتعوا عصوراً بالحرية والأمن، فى ظل الحكم الإسلامى، أول ضحايا سياسة الإرهاق والمحو التى رسمتها اسبانيا الجديدة. ذلك أنه ما كادت تسقط غرناطة فى أيدى الملكين الكاثوليكيين وما كاد اليهود ينتقلون إلى الحكم الجديد، حتى شهرت عليهم السياسة الإسبانية حربها الصليبية، وأصدر الملكان قرارهما الشهير فى ٣٠ مارس سنة ١٤٩٢، وهو يقضى بأن يغادر سائر اليهود -الذين لم يتنصروا- من أى سن وظرف، أراضى قشتالة فى ظرف أربعة أشهر من تاريخ القرار، وألا يعودوا إليها قط، ويعاقب المخالفون بالموت والمصادرة، ويجب ألا يقوم أحد من سكان مملكة قشتالة على حماية أو إيواء أى يهودى أو يهودية سراً أو جهراً متى انتهى هذا الأجل، ولليهود أن يبيعوا أملاكهم خلال هذه المدة، وأن يتصرفوا فيها وفق مشيئتهم (٢). فأذعن كثير من اليهود للتنصير إشفاقاً على الوطن والمال، وهلك كثير منهم فى سجون الديوان المقدس ومحارقه، أو شردوا فى مختلف الأقطار بعد التجريد والحرمان. بل لم ينج المتنصرون منهم، من المطاردة والإرهاق لأقل الشبه حسبما قدمنا. ولقيت طوائف المدجنين من بقايا الأمة الأندلسية، وهى التى بقيت فى بعض مدن قشتالة وأراجون فى ظل الحكم النصرانى، نفس المصير المحزن. وبدأ ديوان التحقيق نشاطه فى قشتالة منذ


(١) Dr. Lea: ibid ; V. I. p. ٢٥٠
(٢) Archivo general de Simancas: P. R. Legajo ٢٨ ; Fol. ٦

<<  <  ج: ص:  >  >>