للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتسلط عليهم الأعراب ومن لا يخشى الله تعالى فى الطرقات، ونهبوا أموالهم، وهذا ببلاد تلمسان وفاس، ونجا القليل من هذه المضرة. وأما الذين خرجوا بنواحى تونس، فسلم أكثرهم، وهم لهذا العهد عمروا قراها الخالية وبلادها، وكذلك بتطاون وسلا وفيجة الجزائر. ولما استخدم سلطان المغرب الأقصى منهم عسكرا جراراً وسكنوا سلا، كان منهم من الجهاد فى البحر، ماهو مشهور الآن.

وحصنوا قلعة سلا وبنوا بها القصور والحمامات والدور، وهم الآن بهذه الحال.

ووصل جماعة إلى القسطنطينية العظمى، وإلى مصر والشام وغيرها من بلاد الإسلام، وهم لهذا العهد على ما وصفت" (١).

وقال ابن دينار التونسى، وقد كتب بعد المأساة بنحو سبعين عاماً، فى أخبار سنة ١٠١٧ هـ: "وفى هذه السنة والتى تلتها، جاءت الأندلس من بلاد النصارى، نفاهم صاحب إسبانية، وكانوا خلقاً كثيراً، فأوسع لهم عثمان داى فى البلاد، وفرق ضعفاءهم على الناس، وأذن لهم أن يعمروا حيث شاءوا، فاشتروا الهناشير وبنوا فيها، واتسعوا فى البلاد، فعمرت بهم، واستوطنوا فى عدة أماكن، وعمروا نحو عشرين بلداً، وصارت لهم مدن عظيمة، وغرسوا الكروم والزيتون والبساتين، ومهدوا الطرقات، وصاروا يعتبرون من أهل البلاد" (٢).

وقال صاحب " الخلاصة النقية وهو من الكتاب المتأخرين: "وفى سنة ست عشرة وألف، قدمت الأمم الجالية من جزيرة الأندلس، فأوسع لهم صاحب تونس عثمان داى كنفه، وأباح لهم بناء القرى فى مملكته، فبنوا نحو العشرين قرية، واغتبط بهم أهل الحضرة، وتعلموا حرفهم وقلدوا ترفهم" (٣).

وهذه النصوص الموجزة، هى كل ما تقدم إلينا الرواية الإسلامية عن نفى العرب المتنصرين، وقد لبثت رواية المقرى عن المأساة، مصدراً لكل ما كتبه الكتاب المتأخرون (٤). وربما كان هذا النقص راجعاً إلى أنه لم يعن أحد من كتاب المغرب المعاصرين، باستيفاء التفاصيل الضافية المؤثرة عن المأساة، أو لعله قد ضاع ما كتبه المعاصرون عنها فيما ضاع، مما كتب عن المراحل الأخيرة لتاريخ الأندلس


(١) نفح الطيب ج ٢ ص ٦١٧.
(٢) المؤنس فى أخبار إفريقية وتونس (تونس) ص ١٩٣.
(٣) الخلاصة النقية (تونس) ص ٩١.
(٤) راجع الإستقصاء ج ٣ ص ١٠١، حيث تنقل هذه النصوص

<<  <  ج: ص:  >  >>