والعرب المتنصرين، ولم تصلنا منه على يد المقرى سوى لمحات يسيرة.
وهكذا بذلت اسبانيا كل ما وسعت لإخراج البقية الباقية، من فلول الأمة الأندلسية، ولم تدخر وسيلة بشرية للقضاء على آثار الموريسكيين إلا اتخذتها.
ومع ذلك فإن آثار الموريسكيين لم تنقطع بعد النفى بصورة نهائية. فقد رأينا أن كثيرين من المنفيين قد عادوا إلى اسبانيا، فراراً مما لقوا فى رحيلهم من ضروب الإعتداء المفزع، وأسلموا أنفسهم رقيقاً يقتنى. كذلك كانت ثمة جماعات من الأسرى المسلمين، من مغاربة وغيرهم، ممن يؤخذون فى المعارك البحرية مع المغيرين، يباعون رقيقاً فى اسبانيا، ويفرض عليهم التنصير. ومع أنه صدر قرار يحظر وجودهم فى العاصمة الإسبانية، فإنه كان من الصعب إخراجهم من المملكة، نظراً لما ترتب لأصحابهم عليهم من الحقوق، وكان البعض منهم يفلح فى ابتياع حريته، ويعيد حياة الموريسكيين سراً، وأخيراً توجست الحكومة الإسبانية من وجودهم، فصدر قبله سنة ١٧١٢ قرار بنفيهم، خلال المدد التى يحددها القضاة المحليون، وسمح لهم بأن يأخذوا معهم أسرهم وأموالهم إلى إفريقية.
وقد كان من المستحيل بعد ذلك كله، أن يبقى فى البلاد أحد من الموريسكيين أو سلالتهم، وقد كانت ذكراهم أو أشباحهم، تثير حولها أيما توجس وتعصب. وكان من المتعذر أن يفلت أحد منهم من بطش ديوان التحقيق، وكان الديوان المقدس أبدا على أهبته لضبط أية قضية ضد موريسكى مختف أو عبد متنصر، لكن هذه القضايا كانت نادرة مما يدل على انقراض هذا العنصر بمضى الزمن. بيد أن أسرى المعارك البحرية الذين كانوا يكرهون على التنصير، كان بعضهم ينبذ النصرانية خفية، وكان معظم هؤلاء من الموريسكيين الذين عادوا إلى الإسلام، وخرجوا إلى الجهاد فى البحر، وكان ديوان التحقيق طوال القرن السابع عشر يجد بينهم فرائس من آن لآخر. وعلى الجملة فإن آثار الموريسكيين والإسلام لم تعف نهائياً من اسبانيا، وقد لبث كثير من الأسر والأفراد الموريسكيين، الذين اندمجوا فى المجتمع الإسبانى، على صلاتهم الخفية بالماضى البعيد، وقد ضبطت خلال القرن الثامن عشر أمام محاكم التحقيق بعض قضايا الموريسكيين، كانوا يجرون شعائر الإسلام خفية، وضبط فى سنة ١٧٦٩ مسجد صغير فى قرطاجنة، أنشأه المتنصرون المحدثون، مما يدل على أنه كانت ما تزال ثمة آثار ضئيلة للموريسكيين والإسلام